قال بعض المحققين : لأن هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى :﴿ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء ﴾ [ الأنعام : ١٠٠ ] الخ فلما قال جل شأنه :﴿ ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ ﴾ أتى بعده بما يدفع الشركة فقال : عز قائلاً ﴿ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ ﴿ ثُمَّ خالق كُلّ شَىْء ﴾ وتلك جاءت بعد قوله سبحانه ﴿ لَخَلْقُ السموات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ غافر : ٥٧ ] فكان الكلام على تثبيت خلق الناس وتقريره لا على نفي الشريك عنه جل شأنه كما كان في الآية الأولى فكان تقديم ﴿ خالق كُلّ شَىْء ﴾ هناك أولى والله تعالى أعلم بأسرار كلامه.
﴿ وَهُوَ على كُلّ شَىْء وَكِيلٌ ﴾ عطف على الجملة السابقة أي وهو مع تلك الصفات الجليلة الشأن متولي جميع الأمور الدنيوية والأخروية، ويلزم من ذلك أن لا يوكل أمر إلى غيره ممن لا يتولى.
وجوز أن تكون هذه الجملة في موضع الحال وقيدا للعبادة ويؤول المعنى إلى أنه سبحانه مع ما تقدم متولي أموركم فكلوها إليه وتوسلوا بعبادته إلى إنجاح مأربكم، وفسر بعضهم الوكيل بالرقيب أي أنه تعالى رقيب على أعمالكم فيجازيكم عليها.
واستدل أصحابنا بعموم ﴿ خالق كُلّ شَىْء ﴾ على أنه تعالى هو الخالق لأعمال العباد والمعتزلة قالوا : عندنا هنا أشياء تخرج أعمال العباد من البين.
أحدها : تعقيب ذلك العموم بقوله سبحانه :﴿ فاعبدوه ﴾ فإنه لو دخلت أعمال العباد هناك لصار تقدير الآية إنا خلقنا أعمالكم فافعلوها بأعيانها مرة أخرى وفساده ظاهر.
وثانيها : أن ﴿ خالق كُلّ شَىْء ﴾ ذكر في معرض المدح والثناء ولا تمدح بخلق الزنا واللواطة والسرقة والكفر مثلا.
ثالثها : أنه تعالى قال بعد.
﴿ قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا ﴾ [ الأنعام : ١٠٤ ] وهو تصريح بكون العبد مستقلاً بالفعل والترك وأنه لا مانع له.


الصفحة التالية
Icon