رابعها : أن هذه الآية أتى بها بعد ﴿ وَجَعَلُواْ الله شُرَكَاء الجن ﴾ [ الأنعام : ١٠٠ ] والمراد منه على ما روي عن الحبر الرد على المجوس في إثبات الهين فيجب أن يكون ﴿ خالق كُلّ شَىْء ﴾ محمولاً على إبطال ذلك وهو إنما يكون إذا قلنا : إنه تعالى هو الخالق لما في هذا العالم من السباع والآلام ونحوها وإذا حمل على ذلك لم تدخل أعمال العباد ولا يخفى ما في ذلك من النظر ومثله استدلالهم بالآية على نفي الصفات وكون القرآن مخلوقاً فتدبر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
ومن فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾
وقوع اسم الإشارة بعد إجراء الصّفات والأخبار المتقدّمة، للتّنبيه على أنّ المشار إليه حقيق بالأخبار والأوصاف الّتي تَرد بعد اسم الإشارة، كما تقدّم عند قوله :﴿ ذلكم الله فأنَّى تؤفكون ﴾ [ الأنعام : ٩٥ ] قبل هذا، وقوله تعالى :﴿ أولئك على هدى من ربّهم ﴾ في سورة [ البقرة : ٥ ].
والمشار إليه هو الموصوف بالصّفات المضمّنة بالأخبار المتقدّمة، ولذلك استغنى عن اتباع اسم الإشارة ببيانٍ أو بدل، والمعنى : ذلكم المبدع للسّماوات والأرض والخالق كلّ شيء والعليم بكلّ شيء هو الله، أي هو الّذي تعلمُونه.
وقوله : ربّكم } صفة لاسم الجلالة.
وجملة :﴿ لا إله إلاّ هو ﴾ حال من ﴿ ربّكم ﴾ أو صفة.
وقوله :﴿ خالق كلّ شيء ﴾ صفة ل ﴿ ربّكم ﴾ أو لاسم الجلالة، وإنّما لم نجعله خبراً لأنّ الإخبار قد تقدّم بنظائره في قوله :﴿ وخلق كلّ شيء ﴾.
وجملة :﴿ فاعبدوه ﴾ مفرّعة على قوله :﴿ ربّكم لا إله إلاّ هو ﴾ وقد جعل الأمر بعبادته مفرّعاً على وصفه بالرّبوبيّة والوحدانيّة لأنّ الربوبيّة مقتضية استحقاق العبادة، والانفرادُ بالربوبيّة يقتضي تخصيصه بالعبادة، وقدْ فهم هذا التّخصيص من التّفريع.