الوجه الثاني : في بيان أن هذه الآية تفيد العموم أن عائشة رضي الله عنها لما أنكرت قول ابن عباس في أن محمداً ﷺ رأى ربه ليلة المعراج تمسكت في نصرة مذهب نفسها بهذه الآية، ولو لم تكن هذه الآية مفيدة للعموم بالنسبة إلى كل الأشخاص وكل الأحوال لما تم ذلك الاستدلال، ولا شك أنها كانت من أشد الناس علماً بلغة العرب.
فثبت أن هذه الآية دالة على النفي بالنسبة إلى كل الأشخاص وذلك يفيد المطلوب.
الوجه الثاني : في تقرير استدلال المعتزلة بهذه الآية أنهم قالوا : إن ما قبل هذه الآية إلى هذا الموضع مشتمل على المدح والثناء، وقوله بعد ذلك :﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار﴾ أيضاً مدح وثناء فوجب أن يكون قوله :﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار﴾ مدحاً وثناء، وإلا لزم أن يقال : إن ما ليس بمدح وثناء وقع في خلال ما هو مدح وثناء، وذلك يوجب الركاكة وهي غير لائقة بكلام الله.
إذا ثبت هذا فنقول : كل ما كان عدمه مدحاً ولم يكن ذلك من باب الفعل كان ثبوته نقصاً في حق الله تعالى، والنقص على الله تعالى محال، لقوله :﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] وقوله :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء﴾ [ الشورى : ١١ ] وقوله :﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ [ الإخلاص : ٣ ] إلى غير ذلك.
فوجب أن يقال كونه تعالى مرئياً محال.
واعلم أن القوم إنما قيدوا ذلك بما لا يكون من باب الفعل لأنه تعالى تمدح بنفي الظلم عن نفسه في قوله :﴿وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً للعالمين﴾ [ آل عمران : ١٠٨ ] وقوله :﴿وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ﴾ [ فصلت : ٤٦ ] مع أنه تعالى قادر على الظلم عندهم، فذكروا هذا القيد دفعاً لهذا النقض عن كلامهم.
فهذا غاية تقرير كلامهم في هذا الباب.


الصفحة التالية
Icon