وادعى الإمام أن هذا أحسن الوجوه المذكورة في الآية، ومفعولا جعل قيل : لله وشركاء، والجن إما منصوب بمحذوف وقع جواباً عن سؤال كأنه قيل : من جعلوه شركاء؟ فقيل : الجن، أو منصوب على البدلية من ﴿ شُرَكَاء ﴾ والمبدل منه ليس في حكم الساقط بالكلية وتقديم المفعول الثاني لأنه محز الإنكار ولأن المفعول الأول منكر يستحق التأخير.
وقيل : هما شركاء والجن، وتقديم ثانيهما على الأول لاستعظام أن يتخذ لله سبحانه شريك ما كائناً ما كان، و﴿ لِلَّهِ ﴾ متعلق بشركاء وتقديمه عليه للنكتة المذكورة أيضاً على ما اختاره الزمخشري وقرىء ﴿ الجن ﴾ بالرفع كأنه قيل : من هم؟ فقيل : الجن وبالجر على الإضافة التي هي للتبيين. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾
عطف على الجمل قبله عطف القصّة على القصّة، فالضّمير المرفوع في ﴿ جعلوا ﴾ عائد إلى ﴿ قومُك ﴾ من قوله تعالى :﴿ وكذّب به قومك ﴾ [ الأنعام : ٦٦ ].
وهذا انتقال إلى ذكر شِرك آخر من شرك العرب وهو جعلهم الجِنّ شركاءَ لله في عبادتهم كما جعلوا الأصنام شركاء له في ذلك.
وقد كان دين العرب في الجاهليّة خليطاً من عبادة الأصنام ومن الصّابئيّة عبادة الكواكب وعبادة الشّياطين، ومجوسيّة الفرس، وأشياء من اليهوديّة، والنّصرانيّة، فإنّ العرب لجهلهم حينئذٍ كانوا يتلقّون من الأمم المجاورة لهم والّتي يرحلون إليها عقائد شتّى متقارباً بعضها ومتباعداً بعض، فيأخذونه بدون تأمّل ولا تمحيص لفقد العلم فيهم، فإنّ العلم الصّحيح هو الذّائد عن العقول من أنّ تعشّش فيها الأوهام والمعتقدات الباطلة، فالعرب كان أصل دينهم في الجاهليّة عبادة الأصنام وسرت إليهم معها عقائد من اعتقاد سلطة الجنّ والشّياطين ونحو ذلك.