والجواب : أنهم يقولون عسكر الله هم الملائكة، وعسكر إبليس هم الشياطين والملائكة فيهم كثرة عظيمة، وهم أرواح طاهرة مقدسة وهم يلهمون تلك الأرواح البشرية بالخيرات والطاعات.
والشياطين أيضاً فيهم كثرة عظيمة وهي تلقي الوساوس الخبيثة إلى الأرواح البشرية، والله مع عسكره من الملائكة يحاربون إبليس مع عسكره من الشياطين.
فلهذا السبب حكى الله تعالى عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء من الجن فهذا تفصيل هذا القول.
إذا عرفت هذا فنقول : قوله :﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ إشارة إلى الدليل القاطع الدال على فساد كون إبليس شريكاً لله تعالى في ملكه، وتقريره من وجهين : الأول : أنا نقلنا عن المجوس أن الأكثرين منهم معترفون بأن إبليس ليس بقديم بل هو محدث.
إذا ثبت هذا فنقول : إن كل محدث فله خالق وموجد، وما ذاك إلا الله سبحانه وتعالى فهؤلاء المجوس يلزمهم القطع بأن خالق إبليس هو الله تعالى، ولما كان إبليس أصلاً لجميع الشرور والآفات والمفاسد والقبائح، والمجوس سلموا أن خالقه هو الله تعالى، فحينئذ قد سلموا أن إله العالم هو الخالق لما هو أصل الشرور والقبائح والمفاسد، وإذا كان كذلك امتنع عليهم أن يقولوا لا بد من إلهين يكون أحدهما فاعلاً للخيرات، والثاني يكون فاعلاً للشرور لأن بهذا الطريق ثبت أن إله الخير هو بعينه الخالق لهذا الذي هو الشر الأعظم فقوله تعالى :﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ إشارة إلى أن تعالى هو الخالق لهؤلاء الشياطين على مذهب المجوس، وإذا كان خالقاً لهم فقد اعترفوا بكون إله الخير فاعلاً لأعظم الشرور، وإذا اعترفوا بذلك وسقط قولهم : لا بد للخيرات من إله، وللشرور من إله آخر.