ثم حكى مذهب من أثبت لله البنين والبنات، وبين بالدلائل القاطعة فساد القول بها فعند هذا ثبت أن إله العالم فرد واحد صمد منزه عن الشريك والنظير والضد والند، ومنزه عن الأولاد والبنين والبنات، فعند هذا صرح بالنتيجة فقال : ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل ما سواه فاعبدوه ولا تعبدوا غيره أحداً فإنه هو المصلح لمهمات جميع العباد، وهو الذي يسمع دعاءهم ويرى ذلهم وخضوعهم، ويعلم حاجتهم، وهو الوكيل لكل أحد على حصول مهماته، ومن تأمل في هذا النظم والترتيب في تقرير الدعوة إلى التوحيد والتنزيه، وإظهار فساد الشرك، علم أنه لا طريق أوضح ولا أصلح منه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٩٨﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى بين في هذه السورة بالدلائل الكثيرة افتقار الخلق إلى خالق وموجد، ومحدث، ومبدع، ومدبر، ولم يذكر دليلاً منفصلاً يدل على نفي الشركاء، والأضداد والأنداد، ثم إنه اتبع الدلائل الدالة على وجود الصانع بأن نقل قول من أثبت لله شريكاً، فهذا القدر يكون أوجب الجزم بالتشريك من الجن، ثم أبطله، ثم إنه تعالى بعد ذلك أتى بالتوحيد المحض حيث قال :﴿ذلكم الله رَبُّكُمْ لا إله إِلاَّ هُوَ خالق كُلّ شَىْء فاعبدوه﴾ وعند هذا يتوجه السؤال وهو أن حاصل ما تقدم إقامة الدليل على وجود الخالق، وتزييف دليل من أثبت لله شريكاً، فهذا القدر كيف أوجب الجزم بالتوحيد المحض ؟ فنقول : للعلماء في إثبات التوحيد طرق كثيرة، ومن جملتها هذه الطريقة.
وتقريرها من وجوه : الأول : قال المتقدمون الصانع الواحد كاف وما زاد على الواحد فالقول فيه متكافىء، فوجب القول بالتوحيد أما قولنا : الصانع الواحد كاف فلأن الإله القادر على كل المقدورات العالم بكل المعلومات كاف في كونه إلهاً للعالم، ومدبراً له.