وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي الْآيَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى مَنْقُوصَةٌ مِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ : إِنَّ الْمُرَادَ بِدَارَسْتَ قَارَأْتَ الْيَهُودَ فَحَفِظْتَ عَنْهُمْ بَعْضَ مَعَانِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَيَنْهَضُ هَذَا بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ مِنْ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي أَوَائِلِ الْبَعْثَةِ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ أَحَدًا مِنَ الْيَهُودِ إِذْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَلَوْ تَلَقَّى عَنْهُمْ كُتُبَهُمْ بِالْمُدَارَسَةِ لَمَا سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ لِمُشْرِكِي مَكَّةَ حِينَ أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْهُ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَمِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهَيْمِنٌ عَلَى كُتُبِهِمْ (٥ : ٤٨) قَدْ بَيَّنَ أَنَّ مَا عِنْدَهُمْ مُحَرَّفٌ وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَمَّا جَاءَ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ، وَنَقْصٌّ بِمَا نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ أَوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَتَفْسِيرِ النِّسَاءِ (٤ : ٤٦) وَالْمَائِدَةِ (٥ : ١٤) : فَلْيُرَاجَعْ فِي الْجُزْئَيْنِ ٥، ٦ مِنَ التَّفْسِيرِ - كَمَا أَنَّهُ بَيَّنَ لَهُمْ كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ (٥ : ١٥) وَهُوَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَتَمُّ وَأَكْمَلُ لِأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ الَّذِي أَكْمَلَ اللهُ عَلَى لِسَانِهِ الدِّينَ.
(وَمِنْهَا) قَوْلُ آخَرِينَ : إِنَّ " لِيَقُولُوا دَارَسْتَ " عَلَى النَّفْيِ، أَيْ لِئَلَّا يَقُولُوا


الصفحة التالية
Icon