ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَنَقَلَهُ الرَّازِيُّ عَنِ الْقَاضِي مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَرَدَّهُ أَشَدَّ الرَّدِّ وَلَهُ الْحَقُّ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُصِيبٍ فِي جَعْلِ الْعِبَارَةِ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْجَبْرِ أَوِ الْقَدَرِ.
(وَمِنْهَا) قَوْلُ الرَّازِيِّ : إِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَقُولُونَ فِي نُزُولِ الْقُرْآنِ نُجُومًا : إِنَّ مُحَمَّدًا يَضُمُّ هَذِهِ الْآيَاتِ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ وَيَتَفَكَّرُ فِيهَا وَيُصْلِحُهَا آيَةً فَآيَةً ثُمَّ يُظْهِرُهَا، وَلَوْ كَانَتْ وَحْيًا لَجَاءَ بِهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا جَاءَ مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ تَصْرِيفُ
الْآيَاتِ حَالًا فَحَالًا هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ الشُّبْهَةَ لِلْقَوْمِ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ نَتِيجَةُ مُدَارَسَةٍ وَمُذَاكَرَةٍ مَعَ آخَرِينَ. وَنَقُولُ : إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ رَأْيٌ جَدَلِيٌّ مُلَفَّقٌ لَا يَصِحُّ بِهِ فِي جُمْلَتِهِ نَقْلٌ، فَالْعَرَبُ لَمْ تَكُنْ تَعْتَقِدُ أَنَّ مُوسَى جَاءَ بِالتَّوْرَاةِ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَلَا أَهْلُ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا تِلْكَ الْوَصَايَا الْعَشْرُ فَقَطْ، وَسَائِرُ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ نَزَلَتْ مُتَفَرِّقَةً بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي أَمْكِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالْقُرْآنِ.


الصفحة التالية
Icon