ولما كان ذلك شديداً على النفس ضائقاً به الصدر، اقتضى الحال أن يقال : هل هذا التزيين مختص بهؤلاء المجرمين أم كان لغيرهم من الأمم مثله؟ فقيل :﴿كذلك﴾ أي بل كان لغيرهم، فإنا مثل ذلك التزيين الذي زينا لهؤلاء ﴿زينا لكل أمة﴾ أي طائفة عظيمة مقصودة ﴿عملهم﴾ أي القبيح الذي أقدموا عليه بغير علم بما خلقه في قلوبهم من المحبة له، رداً منا لهم بعد العقل الرصين أسفل سافلين، حتى رأوا حسناً ما ليس بالحسن لتبين قدرتنا ؛ فكان في ذلك أعظم تسلية وتأسية وتعزية، والآية من الاحتباك : إثبات ﴿بغير علم﴾ أولا دال على حذفه ثانياً، وإثبات التزيين ثانياً دليل على حذفه أولاً.
ولما كان سبحانه طويل الأناة عظيم الحلم، وكان الإمهال ربما كان من جهل بعمل العاصي، نفى ذلك بقوله ﴿ثم﴾ أي بعد طول الإمهال ﴿إلى ربهم﴾ أي المحسن إليهم بالحلم عنهم وهم يتقوون بنعمه على معاصيه، لا إلى غيره ﴿مرجعهم﴾ أي بالحشر الأعظم ﴿فينبئهم﴾ أي يخبرهم إخباراً عظيماً بليغاً ﴿بما﴾ أي بجميع ما ﴿كانوا يعملون﴾ أي على سبيل التجدد والاستمرار بما في جبلاتهم من الداعية إليه وإن ادعوا أنهم عاملون على مقتضى العلم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٩٣ ـ ٦٩٤﴾
وقال الفخر :
اعلم أن هذا الكلام أيضاً متعلق بقولهم للرسول عليه السلام : إنما جمعت هذا القرآن من مدارسة الناس ومذاكرتهم، فإنه لا يبعد أن بعض المسلمين إذا سمعوا ذلك الكلام من الكفار غضبوا وشتموا آلهتهم على سبيل المعارضة، فنهى الله تعالى عن هذا العمل، لأنك متى شتمت آلهتهم غضبوا فربما ذكروا الله تعالى بما لا ينبغي من القول، فلأجل الاحتراز عن هذا المحذور وجب الاحتراز عن ذلك المقال، وبالجملة فهو تنبيه على أن خصمك إذا شافهك بجهل وسفاهة لم يجز لك أن تقدم على مشافهته بما يجري مجرى كلامه فإن ذلك يوجب فتح باب المشاتمة والسفاهة وذلك لا يليق بالعقلاء. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١١٤﴾