وقوله :﴿ بغير علم ﴾ حال من ضمير ﴿ يسبّوا ﴾، أي عن جهالة، فهم لجهلهم بالله لا يزعهم وازع عن سبّه، ويسبّونه غير عالمين بأنّهم يسبّون الله لأنّهم يسبّون مَن أمر محمّداً ﷺ بما جاء به فيصادف سبّهم سبّ الله تعالى لأنّه الّذي أمره بما جاء به.
ويجوز أن يكون ﴿ بغير علم ﴾ صفة ل ﴿ عَدْواً ﴾ كاشفة، لأنّ ذلك العدو لا يكون إلاّ عن غير علم بعظم الجرم الّذي اقترفوه، أو عن علم بذلك لكن حالة إقدامهم عليه تشبه حالة عدم العلم بوخامة عاقبته. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾

فصل


قال الفخر :
احتج أصحابنا بهذا على أنه تعالى هو الذي زين للكافر الكفر، وللمؤمن الإيمان، وللعاصي المعصية، وللمطيع الطاعة.
ق الكعبي : حمل الآية على هذا المعنى محال، لأنه تعالى هو الذي يقول :﴿الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ﴾ [ محمد : ٢٥ ] ويقول :﴿والذين كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت يُخْرِجُونَهُم مّنَ النور إِلَى الظلمات﴾ [ البقرة : ٢٥٧ ] ثم إن القوم ذكروا في الجواب وجوهاً : الأول : قال الجبائي : المراد زينا لكل أمة تقدمت ما أمرناهم به من قبول الحق والكعبي أيضاً ذكر عين هذا الجواب فقال : المراد أنه تعالى زين لهم ما ينبغي أن يعملوا وهم لا ينتهون.
الثاني : قال آخرون : المراد زينا لكل أمة من أمم الكفار سوء عملهم، أي خليناهم وشأنهم وأمهلناهم حتى حسن عندهم سوء عملهم.
والثالث : أمهلنا الشيطان حتى زين لهم، والرابع : زيناه في زعمهم وقولهم : إن الله أمرنا بهذا وزينه لنا.
هذا مجموع التأويلات المذكورة في هذه الآية والكل ضعيف وذلك لأن الدليل العقلي القاطع دل على صحة ما أشعر به ظاهر هذا النص، وذلك لأنا بينا غير مرة أن صدور الفعل عن العبد يتوقف على حصول الداعي.


الصفحة التالية
Icon