وقد جرى اسم الإشارة هنا على غير الطّريقة الّتي في قوله :﴿ وكذلك جعلناكم أمّة وسطا ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] ونظائره، لأنّ ما بعده يتعلّق بأحوال غير المتحدّث عنهم بل بأحوال أعمّ من أحوالهم.
وفي هذا الكلام تعريض بالتوعّد بأن سيحلّ بمشركي العرب من العذاب مثلُ ما حلّ بأولئك في الدّنيا.
وحقيقة تزيين الله لهم ذلك أنّه خلَقهم بعقول يَحْسُن لديها مثلُ ذلك الفعل، على نحو ما تقدّم في قوله تعالى :﴿ ولو شاء الله ما أشركوا ﴾ [ الأنعام : ١٠٨ ].
وذلك هو القانون في نظائره.
والتّزيين تفعيل من الزّيْن، وهو الحُسن ؛ أو من الزّينة، وهي ما يتحسّن به الشّيء.
فالتّزيين جعل الشّيء ذا زينة أو إظهاره زيْناً أو نسبته إلى الزّين.
وهو هنا بمعنى إظهاره في صورة الزّين وإن لم يكن كذلك، فالتّفعيل فيه للنّسبة مثل التّفسيق.
وفي قوله :﴿ ولكنّ الله حبَّب إليكم الإيمان وَزَيَّنه في قلوبكم ﴾ [ الحجرات : ٧ ] بمعنى جعله زيناً، فالتّفعيل للجعل لأنّه حَسَن في ذاته.
ولما في قوله :﴿ كذلك زيّنّا لكلّ أمّة عملهم ﴾ من التّعريض بالوعيد بعذاب الأمم عقّب الكلام بـ ﴿ ثُمّ ﴾ المفيدة التّرتيب الرتبي في قوله :﴿ ثمّ إلى ربّهم مرجعهم فينبّئهم بما كانوا يعملون ﴾، لأنّ ما تضمّنته الجملة المعطوفة بـ ﴿ ثُمّ ﴾ أعظم ممّا تضمّنته المعطوفُ عليها، لأنّ الوعيد الّذي عُطفت جملته بـ ﴿ ثمّ ﴾ أشدّ وأنكى فإنّ عذاب الدّنيا زائل غير مؤيّد. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿ثُمَّ إلى رَبّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾
قال الفخر :
المقصود منه أن أمرهم مفوض إلى الله تعالى، وإن الله تعالى عالم بأحوالهم.
مطلع على ضمائرهم.
ورجوعهم يوم القيامة إلى الله فيجازي كل أحد بمقتضى عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١١٦ ـ ١١٧﴾