فقام رسول الله ﷺ يدعو ؛ فجاءه جبريل عليه السلام فقال :"إن شئت أصبح الصفا ذهباً، ولئن أرسل الله آية ولم يصدّقوا عندها ليعذبنّهم فاتركهم حتى يتوب تائبهم" فقال رسول الله ﷺ :"بل يتوب تائبهم" فنزلت هذه الآية " وبيّن الربّ بأن من سبق العلم الأزَليّ بأنه لا يؤمن فإنه لا يؤمن وإن أقسم ليؤمنَنّ.
الثانية : قوله تعالى :﴿ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ قيل : معناه بأغلظ الأيمان عندهم.
وتعرِض هنا مسألةٌ من الأحكام عُظْمَى، وهي قول الرجل : الأيمان تلزمه إن كان كذا وكذا.
قال ابن العربيّ : وقد كانت هذه اليمين في صدر الإسلام معروفةً بغير هذه الصورة، كانوا يقولون : عليّ أشدّ ما أخذه أحدٌ على أحد ؛ فقال مالك : تَطْلُق نساؤه.
ثم تكاثرت الصُّوَر حتى آلت بين الناس إلى صورةٍ هذه أمُّها.
وكان شيخنا الفِهْرِيّ الطَّرَسُوسِيّ يقول : يلزمه إطعام ثلاثين مسكيناً إذا حنِث فيها ؛ لأن قوله "الأيمان" جمع يمين، وهو لو قال عليّ يمين وحنِث ألزمناه كفارةً.
ولو قال : عليّ يمينان للزمته كفارتان إذا حنِث.
والأيمانُ جمع يمين فيلزمه فيها ثلاث كفارات.
قلت : وذكر أحمد بن محمد بن مغيث في وثائقه : اختلف شيوخ القَيْرَوان فيها ؛ فقال أبو محمد بن أبي زيد : يلزمه في زوجته ثلاث تطليقات، والمشي إلى مكة، وتفريقُ ثلث ماله، وكفارةُ يمين، وعِتق رقبة.
قال ابن مغيث : وبه قال ابن أرفع رأسه وابن بدر من فقَهاء طُلَيْطُلة.
وقال الشيخ أبو عمران الفاسي وأبو الحسن القابِسيّ وأبو بكر بن عبد الرحمن القَرَوِيّ : تلزمه طلقة واحدة إذا لم تكن له نيّة.
ومن حجتهم في ذلك رواية ابن الحسن في سماعه من ابن وهب في قوله :"وأشدّ ما أخذه أحد على أحد أن عليه في ذلك كفارة يمين".


الصفحة التالية
Icon