فروى الطّبري وغيره عن مجاهد، ومحمدّ بن كعب القُرظِي، والكلبي، يزيد بعضهم على بعض : أنّ قريشاً سألوا رسول الله ﷺ آية مثل آية موسى عليه السّلام إذ ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه العيون، أو مثل آية صالح، أو مثل آية عيسى عليهم السّلام، وأنّهم قالوا لمّا سمعوا قوله تعالى :﴿ إنْ نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلَّت أعناقهم لها خاضعين ﴾ [ الشعراء : ٤ ] أقسموا أنّهم إن جاءتهم آية كما سألوا أو كما تُوُعدوا ليوقِنُنّ أجمعون، وأنّ رسول الله عليه الصلاة والسّلام سأل الله أن يأتيهم بآية كما سألوا، حرصاً على أن يؤمنوا.
فهذه الآية نازلة في ذلك المعنى لأنّ هذه السّورة جمعت كثيراً من أحوالهم ومحاجّاتهم.
والكلام على قوله :﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم ﴾ هو نحو الكلام على قوله في سورة [ العقود : ٥٣ ] ﴿ أهؤلاء الّذين أقسموا بالله جهد أيمانهم ﴾ والأيمان تقدّم الكلام عليها عند قوله تعالى :﴿ لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ﴾ في سورة [ البقرة : ٢٢٥ ].
وجملة : لئن جاءتهم آية } إلخ مبيّنة لجملة :﴿ وأقسموا بالله ﴾.
واللاّم في ﴿ لئن جاءتهم آية ﴾ موطّئة للقسم، لأنّها تدلّ على أنّ الشّرط قد جعل شَرطاً في القسم فتدلّ على قَسَم محذوف غالباً، وقد جاءت هنا مع فعل القسم لأنّها صارت ملازمة للشّرط الواقع جواباً للقسم فلم تنفكّ عنه مع وجود فعل القسم.
واللاّم في ﴿ ليومننّ بها ﴾ لام القسم، أي لام جوابه.
والمراد بالآية ما اقترحوه على الرّسول ﷺ يَعنُون بها خارق عادة تدلّ على أنّ الله أجاب مقترحهم ليصدّق رسوله عليه الصلاة والسّلام، فلذلك نُكّرت ﴿ آية ﴾، يعني : آيَّةَ آيةٍ كانت من جنس ما تنحصر فيه الآيات في زعمهم.
ومجيء الآية مستعار لظهورها لأنّ الشّيء الظّاهر يشبه حضور الغائب فلذلك يستعار له المجيء.


الصفحة التالية