وقال القرطبى :
﴿ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ ﴾
الواو للعطف على مضمر ؛ أي نصرف الآيات لتقوم الحجة وليقولوا درست.
وقيل : أي "ولِيقولوا درست" صرفناها ؛ فهي لام الصيرورة.
وقال الزجاج : هذا كما تقول كتب فلان هذا الكتاب لحتفه ؛ أي آل أمره إلى ذلك.
وكذا لما صرفت الآيات آل أمرهم إلى أن قالوا : درست وتعلمت من جَبْر ويَسَار، وكانا غلامين نصرانيين بمكة، فقال أهل مكة : إنما يتعلم منهما.
قال النحاس : وفي المعنى قول آخر حسن، وهو أن يكون معنى "نُصَرِّفُ الآيَاتِ" نأتي بها آية بعد آيةٍ ليقولوا درست علينا ؛ فيذكرون الأوّل بالآخر.
فهذا حقيقة، والذي قاله أبو إسحاق مجاز.
وفي "دَرَسْت" سبع قراءاتٍ.
قرأ أبو عمرو وابن كَثير "دارست" بالألف بين الدال والراء، كفاعلت.
وهي قراءة عليّ وابن عباس وسعيدِ بن جبير ومجاهدٍ وعكرمة وأهلِ مكة.
قال ابن عباس : معنى "دَارَسْت" تاليت.
وقرأ ابن عامر "دَرَسَتْ" بفتح السين وإسكان التاء من غير ألف ؛ كخَرَجَتْ.
وهي قراءة الحسن.
وقرأ الباقون "دَرَسْتَ" كخرَجْت.
فعلى الأولى : دارست أهلَ الكتاب ودارسوك ؛ أي ذاكرتهم وذاكروك ؛ قاله سعيد ابن جبير.
ودلّ على هذا المعنى قوله تعالى إخباراً عنهم :﴿ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ﴾ [ الفرقان : ٤ ] أي أعان اليهودُ النبيّ ﷺ على القرآن وذاكروه فيه.
وهذا كلّه قول المشركين.
ومثله قولهم :﴿ وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٥ ].
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾ [ النحل : ٢٤ ].
وقيل : المعنى دارستنا ؛ فيكون معناه كمعنى درست ؛ ذكره النحاس واختاره، والأوّل ذكره مكيّ.
وزعم الناس أنه مجاز ؛ كما قال :
فلِلْموتِ ما تَلد الوالِدهْ...


الصفحة التالية
Icon