وقال أبو الهيثم : يقال درست الكتاب أي ذللته بكثرة القراءة حتى خف حفظه من قولهم : درست الثوب أدرسه درساً فهو مدروس ودريس أي أخلقته، ومنه قيل للثوب الخلق : دريس لأنه قد لان، والدرسة الرياضة ومنه درست السورة حتى حفظتها.
وهذا كما قال الواحدي قريب مما قاله الأصمعي أو هو نفسه لأن المعنى يعود فيه إلى التذليل والتليين.
وقال الراغب : يقال دَرَسَ الدارُ أي بقي ( أثره ) وبقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه فلذلك فسر الدروس بالإنمحاء، وكذا درس الكتاب ودرست العلم تناولت أثره بالحفظ، ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن إدامة القراءة بالدرس" وهو بعيد عما تقدم كما لا يخفى.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ﴿ دارست ﴾ بالألف وفتح التاء وهي قراءة ابن عباس ومجاهد : أي دارست يا محمد غيرك ممن يعلم الأخبار الماضية وذكرته، وأرادوا بذلك نحو ما أرادوه بقولهم :﴿ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ ﴾[ النحل : ١٠٣ ].
قال الإمام :"ويقوي هذه القراءة قوله تعالى حكاية عنهم :﴿ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ افتراه وَأَعَانَهُ ﴾ [ الفرقان : ٤ ] وقرأ ابن عامر ويعقوب وسهل ﴿ دَرَسْتَ ﴾ بفتح السين وسكون التاء، ورويت عن عبد الله بن الزبير وأبي وابن مسعود والحسن رضي الله تعالى عنهم.
والمعنى قدمت هذه الآيات وعفت وهو كقولهم ﴿ أساطير الاولين ﴾ [ النحل : ٢٤ ].
وقرىء ﴿ دَرَسْتَ ﴾ بضم الراء مبالغة في درست لأن فعل المضموم للطبائع والغرائز أي اشتد دروسها، و﴿ دَرَسْتَ ﴾ على البناء للمفعول بمعنى قرئت أو عفيت وقد صح مجيء عفا متعدياً كمجيئه لازماً ؛ و﴿ دارست ﴾ بتاء التأنيث أيضاً.
والضمير إما لليهود لاشتهارهم بالدارسة أي دارست اليهود محمداً ﷺ وإما للآيات وهو في الحقيقة لأهلها أي دارست أهل الآيات وحملتها محمداً عليه الصلاة والسلام وهم أهل الكتاب، و﴿ دورست ﴾ على مجهول فاعل.


الصفحة التالية
Icon