الأول : قال الأصمعيُّ : أصله من قولهم : درس الطعام إذا دَرَسَهُ دراساً، والدَّرْسُ الدِّيَاسُ بِلُغَةِ أهل " الشام "، قال : ودرس الكلام من هذا، أي : يدرسه فيخفُّ على لسانه.
والثاني : قال أبو الهيثم : درست الكتاب، أي : ذللته بكثرةِ القراءة خَفَّ حِفْظُهُ من قولهم : درست الثوب أدْرُسُهُ دَرْساً، فهو مَدْرُوسٌ ودَرِيسٌ، أي : أخْلَقْتُهُ، ومنه قيل للثوب الخلق : دريسٌ لأنه قد لان والدراسةُ الرياضة، ومنه درست السُّورة حتى حفظتها قال الواحدي : وهذا القول قريب مما قال الأصمعيُّ، بل هو نفسه لأن المعنى يعود إلى التَّذْليل والتَّلْيين.
وقرئ هذا الحرف في الشَّاذِّ عشر قراءات أخر فاجتمع فيه ثلاثة عشرة قراءة ؛ فقرا ابن عباس بخلاف عنه، وزيد بن علي، والحسن البصري، وقتادة " دُرِسَتْ " فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول مسنداً لضمير الإناث، وفسَّرها ابن جنيِّ والزمخشري بمعنيين في أحدهما إشكال.
قال أبو الفتح :" يحتمل أن يُرَادَ عَفَتْ أو بَلِيَتْ ".
وقال أبو القاسم :" بمعنى قُرِئَتْ أو عُفِيَتْ ".
قال أبو حيَّان :" أما معنى قُرِئَتْ وبَلِيَتْ فظاهِرٌ لأن دَرَسَ بمعنى كرَّرَ القراءة متعدِّ، وأما " دَرَس " بمعنى بلي وانمحى فلا أحْفَظُهُ متعدياً، ولا وَجَدْنا فيمن وقَفْنَا على شعره [ من العرب ] إلا لازماً ".
قال شهاب الدين : لا يحتاج هذا إلى استقراء، فإن معناه لا يحتمل أن يكون متعدياً ؛ إذْ حَدَيُهُ لا يتعدَّى فاعله، فهو كـ " قام " و" قعد " فكما أنا لا نحتاج في مَعْرِفةِ قصور " قام " و" قعد " إلى استقراءٍ، بل نَعْرِفُهُ بالمعنى، فكذا هذا.


الصفحة التالية
Icon