الثالث : هب أن الإيمان الاختياري أفضل وأنفع من الإيمان الحاصل بالجبر والقهر إلا أنه تعالى لما علم أن ذلك الأنفع لا يحصل ألبتة، فقد كان يجب في حكمته ورحمته أن يحلق فيه الإيمان على سبيل الإلجاء، لأن هذا الإيمان وإن كان لا يوجب الثواب العظيم، فأقل ما فيه أن يخلصه من العقاب العظيم، فترك إيجاد هذا الإيمان فيه على سبيل الإلجاء يوجب وقوعه في أشد العذاب، وذلك لا يليق بالرحمة والإحسان ومثاله أن من كان له ولد عزيز وكان هذا الأب في غاية الشفقة وكان هذا الولد واقفاً على طرف البحر فيقول الوالد له : غص في قعر هذا البحر لتستخرج اللآلي العظيمة الرفيعة العالية منه، وعلم الوالد قطعاً أنه إذا غاص في البحر هلك وغرق، فهذا الأب إن كان ناظراً في حقه مشفقاً عليه وجب عليه أن يمنعه من الغوص في قعر البحر ويقول له : اترك طلب تلك اللآلي فإنك لا تحدها وتهلك، ولكن الأولى لك أن تكتفي بالرزق القليل مع السلامة، فأما أن يأمره بالغوص في قعر البحر مع اليقين التام بأنه لا يستفيد منه إلا الهلاك فهذا يدل على عدم الرحمة وعلى السعي في الإهلاك فكذا ههنا والله أعلم.
واعلم أنه تعالى لما بين أنه لا قدرة لأحد على إزالة الكفر عنهم ختم الكلام بما يكمل معه تبصير الرسول عليه السلام، وذلك أنه تعالى بين له قدر ما جعل إليه فذكر أنه تعالى ما جعله عليهم حفيظاً ولا وكيلاً على سبيل المنع لهم، وإنما فوض إليه البلاغ بالأمر والنهي في العمل والعلم وفي البيان بذكر الدلائل والتنبيه عليها فإن انقادوا للقبول فنفعه عائد إليهم، وإلا فضرره عائد عليهم وعلى التقديرين فلا يخرج ﷺ من الرسالة والنبوة والتبليغ. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١١٣ ـ ١١٤﴾