فالمشركون بلغوا إلى حَضِيض الشّرك بأسباب ووسائلَ متسلسلة مترتّبة خَلْقية، وخُلُقيّة، واجتماعيّة، تهيأت في أزمنة وأحوال هيّأتْها لهم، فلمّا بَعَث الله إليهم المرشد كان إصغاؤهم إلى إرشاده متفاوتاً على تفاوت صلابة عقولهم في الضّلال وعراقتهم فيه، وعلى تفاوت إعداد نفوسهم للخير وجموحهم عنه، ولم يجعل الله إيمان النّاس حاصلاً بخوارق العادات ولا بتبديل خَلْق العقول، وهذا هو القانون في معنى مثل هذه الآية، فهذا معنى انتفاء مشيئة الله في هذا المقام المراد به تطمين قلب الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وتذكيره بحقائق الأحوال وليس في مثل هذا عذر لهم ولا لأمثالهم من العصاة، ولذلك ردّ الله عليهم الاعتذار بمثل هذا في قوله في الآية الآتية ﴿ سيقول الّذين أشركوا لو شاءَ الله ما أشْرَكْنا ولا آباؤنا ولا حَرّمنَا من شيء كذلك كذّب الّذين من قبلهم حتّى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ﴾ [ الأنعام : ١٤٨ ] الآية.
وفي قوله :﴿ وقالوا لو شاء الرّحمن ما عَبدْناهم ما لهم بذلك من علم إنْ هم إلاّ يخرصون ﴾ [ الزخرف : ٢٠ ] في سورة الزخرف، لأنّ هذه حقيقة كاشفة عن الواقع لا تصلح عذراً لمن طلب منهم أن لا يكونوا في عِداد الّذين لم يشأ الله أن يرشدهم، قال تعالى :﴿ أولئك الّذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم ﴾ [ المائدة : ٤١ ].
ومفعول المشيئة محذوف دلّ عليه جواب ( لو ) على الطّريقة المعروفة.
والتّقدير : ولو شاء الله عدمَ إشراكهم ما أشركوا.
وتقدّم عند قوله تعالى :﴿ ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ﴾ في هذه السّورة [ ٣٥ ].


الصفحة التالية