وقوله :﴿ وما جعلناك عليهم حفيظاً ﴾ تذكير وتسلية ليزيح عنه كرب إعراضهم عن الإسلام لأنّ ما يحصل له من الكدر لإعراض قومه عن الإسلام يجعل في نفسه انكساراً كأنّه انكسار من عُهد إليه بعمل فلم يتسَنَّ له ما يريده من حسن القيام، فذكّره الله تعالى بأنّه قد أدّى الأمانة وبلّغ الرّسالة وأنّه لم يبعثه مُكرهاً لهم ليأتي بهم مسلمين، وإنّما بعثه مبلّغاً لرسالته فمن آمن فلنفسه ومن كفر فعليها.
والحفيظ : القيّم الرّقيب، أي لم نجعلك رقيباً على تحصيل إيمانهم فلا يهمّنك إعراضهم عنك وعدم تحصيل ما دعوتَهم إليه إذ لا تَبِعة عليك في ذلك، فالخبر مسوق مساق التّذكير والتسلية، لا مساقَ الإفادة لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يعلم أنّ الله ما جعله حفيظاً على تحصيل إسلامهم إذ لا يجهل الرّسولُ ما كلّف به.
وكذلك قوله :﴿ وما أنت عليهم بوكيل ﴾ تهوين على نفس الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بطريقة التّذكير لينتفي عنه الغمّ الحاصل له من عدم إيمانهم.
فإن أريد ما أنت بوكيل مِنَّا عليهم كان تتميماً لقوله :﴿ وما جعلناك عليهم حفيظاً ﴾ ؛ وإنْ أريد ما أنتَ بوكيل منهم على تحصيل نفعهم كان استيعاباً لنفي أسباب التّبعة عنه في عدم إيمانهم، يقول : ما أنت بوكيل عليهم وكّلوك لتحصيل منافعهم كإيفاء الوكيل بما وكّله عليه موكّله، أي فلا تَبِعة عليك منهم ولا تقصير لانتفاء سببي التّقصير إذ ليس مقامك مقام حفيظ ولا وكيل.
فالخبر أيضاً مستعمل في التّذكير بلازمه لا في حقيقته من إفادة المخبر به، وعلى كلا المعنيين لا بدّ من تقدير مضاف في قوله :﴿ عليهم ﴾، أي على نفعهم.
والجمع بين الحفيظ والوكيل هنا في خبرين يؤيّد ما قلناه آنفاً في قوله تعالى :﴿ وما أنا عليكم بحفيظ ﴾ [ الأنعام : ١٠٤ ].
من الفرق بين الوكيل والحفيظ فاذْكُره. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾