وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :(وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَرَى الْعُيُونَ الْبَاصِرَةَ أَوْ قُوَى الْإِبْصَارِ الْمُودَعَةَ فِيهَا رُؤْيَةَ إِدْرَاكٍ وَإِحَاطَةٍ، بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَقِيقَتُهَا وَلَا مِنْ عَمَلِهَا شَيْءٌ، وَقَدْ عَرَفَ الْبَشَرُ مِنْ تَشْرِيحِ الْعَيْنِ مَا تَتَرَكَّبُ مِنْهُ طَبَقَاتُهَا وَرُطُوبَاتُهَا وَوَظَائِفَ كُلٍّ مِنْهَا فِي ارْتِسَامِ الْمَرْئِيَّاتِ فِيهَا، وَعَرَفُوا كَثِيرًا مِنْ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي النُّورِ وَوَظَائِفِهِ فِي رَسْمِ صُوَرِ الْأَشْيَاءِ فِي الْعَيْنَيْنِ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْرِفُوا كُنْهَ الرُّؤْيَةِ وَلَا كُنْهَ قُوَّةِ الْإِبْصَارِ وَلَا حَقِيقَةَ النُّورِ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ : أَعْلَمَ اللهُ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ، وَفِي هَذَا الْإِعْلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خَلْقَهُ لَا يُدْرِكُونَ الْإِبْصَارَ، أَيْ لَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ الْبَصَرِ، وَمَا الشَّيْءُ الَّذِي صَارَ بِهِ الْإِنْسَانُ يُبْصِرُ مِنْ عَيْنَيْهِ دُونَ أَنْ يُبْصِرَ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ أَعْضَائِهِ فَاعْلَمْ أَنَّ خَلْقًا مِنْ خَلْقِهِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ، فَأَمَّا مَا جَاءَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي الرُّؤْيَةِ وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَيْرُ مَدْفُوعٍ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى دَفْعِهَا، لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ إِدْرَاكُ الشَّيْءِ وَالْإِحَاطَةُ بِحَقِيقَتِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ اهـ.


الصفحة التالية
Icon