يجوز أن يكون عطفاً على جملة ﴿ أنّها إذا جاءت لا يؤمنون ﴾ [ الأنعام : ١٠٩ ] فتكون بياناً لقوله ﴿ لا يؤمنون ﴾ [ الأنعام : ١٠٩ ]، أي بأن نعطِّل أبصارَهم عن تلك الآية وعقولهم عن الاهتداء بها فلا يبصُرون ما تحتوي عليه الآية من الدّلائل ولا تفقه قلوبهم وجه الدّلالة فيتعطَّل تصديقهم بها، وذلك بأن يحرمهم الله من إصلاح إدراكهم، وذلك أنّهم قد خُلقت عقولهم نابية عن العلم الصّحيح بما هيّأ لها ذلك من انسلالها من أصول المشركين، ومن نشأتها بين أهل الضّلال وتلقّي ضلالتهم، كما بيّنتُه آنفاً.
فعبّر عن ذلك الحال المخالف للفطرة السّليمة بأنّه تقليب لعقولهم وأبصارهم، ولأنّها كانت مقلوبة عن المعروف عند أهل العقول السّليمة، وليس داعي الشّرك فيها تقليباً عن حالة كانت صالحة لأنّها لم تكن كذلك حيناً، ولكنّه تقليب لأنّها جاءت على خلاف ما الشّأن أن تجيء عليه.
وضمير ﴿ به ﴾ عائد إلى القرآن المفهوم من قوله :﴿ لئن جاءتهم آية ﴾ [ الأنعام : ١٠٩ ] فإنّهم عَنوا آية غير القرآن.
والكاف في قوله :﴿ كما لم يؤمنوا به أوّل مرّة ﴾ لتشبيه حالة انتفاء إيمانهم بعد أن تجيئهم آية ممّا اقترحوا.
والمعنى ونقلِّب أيديهم وأبصارهم فلا يؤمنون بالآية الّتي تجيئهم مثلَما لم يؤمنوا بالقرآن من قبلُ، فتقليب أفئدتهم وأبصارهم على هذا المعنى يحصل في الدّنيا، وهو الخذلان.
ويجوز أن تكون جملة ﴿ ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم ﴾ مستأنفة والواو للاستئناف، أو أن تكون معطوفة على جملة ﴿ لا يؤمنون ﴾ [ الأنعام : ١٠٩ ].
والمعنى : ونحن نقلّب أفئدتهم وأبصارهم، أي في نار جهنّم، كناية عن تقليب أجسادهم كلّها.
وخصّ من أجسادهم أفئدتُهم وأبصارهُم لأنّها سبب إعراضهم عن العبرة بالآيات، كقوله تعالى :﴿ سحروا أعْيُن النّاس ﴾ [ الأعراف : ١١٦ ]، أي سحروا النّاسَ بما تُخيِّلُه لهم أعينهم.