فلهذا السبب وقع الابتداء بذكر تقليب القلوب في هذه الآية، ثم أتبعه بذكر تقليب البصر، وفي الآية الأخرى وقع الابتداء بذكر تحصيل الكنان في القلب ثم أتبعه بذكر السمع، فهذا هو الكلام القوي العقلي البرهاني الذي ينطبق عليه لفظ القرآن، فكيف يحسن مع ذلك حمل هذا اللفظ على التكلفات التي ذكروها ؟ ولنرجع إلى ما يليق بتلك الكلمات الضعيفة فنقول : أما الوجه الذي ذكره الجبائي فمدفوع لأن الله تعالى قال :﴿وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم﴾ ثم عطف عليه فقال ﴿وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ ولا شك أن قوله :﴿وَنَذَرُهُمْ﴾ إنما يحصل في الدنيا، فلو قلنا : المراد من قوله :﴿وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم﴾ إنما يحصل في الآخرة، كان هذا سوأ للنظم في كلام الله تعالى حيث قدم المؤخر وأخر المقدم من غير فائدة، وأما الوجه الذي ذكره الكعبي فضعيف أيضاً لأنه إنما استحق الحرمان من تلك الألطاف والفوائد بسبب إقدامه على الكفر، فهو الذي أوقع نفسه في ذلك الحرمان والخدلان فكيف تحسن إضافته إلى الله تعالى في قوله تعالى :﴿وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم ﴾.
وأما الوجه الثاني الذي ذكره القاضي فبعيد أيضاً لأن المراد من قوله :﴿وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم﴾ تقليب القلب من حالة إلى حالة ونقله من صفة إلى صفة.
وعلى ما يقوله القاضي فليس الأمر كذلك بل القلب باق على حالة واحدة إلا أنه تعالى أدخل التقليب والتبديل في الدلائل، فثبت أن الوجوه التي ذكروها فاسدة باطلة بالكلية.
أما قوله تعالى :﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ فقال الواحدي فيه وجهان :