والمراد بالتمام معنى مجازي : إمّا بمعنى بلوغ الشّيء إلى أحسن ما يبلغه ممّا يراد منه، فإنّ التّمام حقيقته كون الشّيء وافراً أجزاءه، والنقصان كونه فاقدا بعض أجزائه، فيستعار لوفرة الصّفات التي تراد من نوعه ؛ وإمّا بمعنى التّحقّق فقد يطلق التّمام على حصول المنتظر وتحقّقه، يقال : تَم ما أخبر به فلان، ويقال : أتم وعده، أي حقّقه، ومنه قوله تعالى :﴿ وإذِ آبتلى إبراهيم رَبُّه بكلمات فأتَمَّهُن ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ] أي عمل بهنّ دون تقصير ولا ترخّص، وقوله تعالى :﴿ وتمّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] أي ظهر وعده لهم بقوله :﴿ ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ﴾ [ القصص : ٥ ] الآية، ومن هذا المعنى قوله تعالى :﴿ والله متمّ نوره ﴾ [ الصف : ٨ ] أي محقّق دينه ومثبتُه، لأنَّه جعل الإتمام في مقابلة الإطفاء المستعمل في الإزالة مجازاً أيضاً.
وقوله :﴿ كلمات ربك ﴾ قرأه الجمهور بصيغة الجمع وقرأه عاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف : كَلمة بالإفراد فقيل : المراد بالكلمات أو الكلمة القرآن، وهو قول جمهور المفسّرين، ونقل عن قتادة، وهو الأظهر، المناسب لجعْل الجملة معطوفة على جملة :﴿ والذين آتيناهم الكتاب ﴾ [ الأنعام : ١١٤ ].
فأمّا على قراءة الإفراد فإطلاق الكلمة على القرآن باعتبار أنّه كتاب من عند الله، فهو من كلامه وقوله.
والكلمة والكلام يترادفان، ويقول العربُ : كلمة زهير، يعنون قصيدته، وقد أطلق في القرآن ( الكلمات ) على الكتب السّماوية في قوله تعالى :﴿ فآمِنوا بالله ورسوله النّبيء الأمّي الذي يؤمن بالله وكلماته ﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ] أي كتبه.
وأمّا على قراءة الكلمات بالجمع فإطلاقها على القرآن باعتبار ما يشتمل عليه من الجمل والآيات.
أو باعتبار أنواع أغراضه من أمر، ونهي، وتبشير، وإنذار، ومواعظ، وإخبار، واحتجاج، وإرشاد، وغير ذلك.


الصفحة التالية
Icon