فعلى التّفسير الأوّل للكلمات أو الكلمة، يكون المعنى : أن القرآن بلغ أقصى ما تبلغه الكتب : في وضوح الدّلالة، وبلاغة العبارة، وأنّه الصّادق في أخباره، العادل في أحكامه، لا يُعثر في أخباره على ما يخالف الواقع، ولا في أحكامه على ما يخالف الحقّ ؛ فذلك ضرب من التحدّي والاحتجاج على أحقّيّة القرآن.
وعلى التّفسيرين الثّاني والثّالث، يكون المعنى : نفذ ما قاله الله، وما وَعَدَ وأوْعَد، وما أمر ونهى، صادقاً ذلك كلُّه، أي غير متخلّف، وعادلاً، أي غير جائر.
وهذا تهديد للمشركين بأنْ سيحقُّ عليهم الوعيد، الّذي توعّدهم به، فيكون كقوله تعالى :﴿ وتمَّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] أي تَمّ ما وعدهم به من امتلاك مشارق الأرض ومغاربها الّتي بارك فيها، وقوله :﴿ وكذلك حقّت كلمات ربّك على الذين كفروا أنّهم أصحاب النّار ﴾ [ غافر : ٦ ] أي حقّت كلمات وعيده.
ومعنى :﴿ لا مبدل لكلماته ﴾ نفي جنس من يبدل كلمات الله، أي من يبطل ما أراده في كلماته.
والتّبديل تقدّم عند قوله تعالى :﴿ قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ﴾ من سورة البقرة ( ٦١ )، وتقدّم هناك بيان أنّه لا يوجد له فعل مجرّد، وأنّ أصل مادّته هو التّبديل.
والتّبديل حقيقته جعل شيء مكان شيء آخر، فيكون في الذّوات كما قال تعالى :﴿ يوم تُبدّل الأرض غير الأرض ﴾ [ إبراهيم : ٤٨ ] وقال النّابغة :
عهدتُ بها حيّاً كراماً فبُدّلت
خنَاظِيل آجَاللِ النِّعَاج الجَوافل...
ويكون في الصّفات كقوله تعالى: ﴿ وليبدلنَّهم من بعد خوفهم أمنا ﴾ [ النور : ٥٥ ].
ويستعمل مجازاً في إبطال الشّيء ونقضه، قال تعالى :﴿ يريدون أن يبدّلوا كلام الله ﴾ [ الفتح : ١٥ ] أي يخالفوه وينقضوا ما اقتضاه، وهو قوله :﴿ قُل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ﴾ [ الفتح : ١٥ ].
وذلك أنّ النقض يستلزم الإتيان بشيء ضدّ الشّيء المنقوض.