وأجاب عنه المعتزلة بأن المراد لا أن يشاء مشيئة قسر وإكراه، وعدم إيمانهم يستلزم عدم المشيئة القسرية وهي لا تستلزم عدم المشيئة مطلقاً.
واستدل بها الجبائي على حدوث مشيئته تعالى وإلا يلزم قدم ما دل الحس على حدوثه.
وأهل السنة تفصوا عن ذلك بدعوى أن تعلقها بإحداث ذلك المحدث في الحال إضافة حادثة فتأمل جميع ذلك. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
و﴿ ما كانوا ليؤمنوا ﴾ هو أشدّ من ( لا يؤمنون ) تقوية لنفي إيمانهم، مع ذلك كلّه، لأنَّهم معاندون مكابرون غير طالبين للحقّ، لأنَّهم لو طَلَبوا الحقّ بإنصاف لكفتْهم معجزة القرآن، إنْ لَمْ يكفهم وضوح الحقّ فيما يدْعُو إليه الرّسول عليه الصلاة والسلام.
فالمعنى : الإخبار عن انتفاء إيمانهم في أجدر الأحوال بأن يؤمن لها من يؤمن، فكيف إذا لم يكن ذلك.
والمقصود انتفاء إيمانهم أبداً.
﴿ ولو ﴾ هذه هي المسماة ﴿ لَوْ ﴾ الصهيبية، وسنشرح القول فيها عند قوله تعالى :﴿ ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون في سورة الأنفال ( ٢٣ ).
وقوله :{ إلا أن يشاء الله ﴾
استثناء من عموم الأحوال التي تضمّنها عموم نفي إيمانهم، فالتّقدير : إلاّ بمشيئة الله، أي حال أن يشاء الله تغيير قلوبهم فيؤمنوا طوعاً، أو أن يكرههم على الإيمان بأن يسلّط عليهم رسوله ﷺ كما أراد الله ذلك بفتح مكّة وما بعده.
ففي قوله :﴿ إلا أن يشاء الله ﴾ تعريض بوعد المسلمين بذلك، وحذفت الباء مع "أنْ".
ووقع إظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار : لأنّ اسم الجلالة يوميء إلى مقام الإطلاق وهو مقامُ ﴿ لا يُسأل عمّا يفعل ﴾ [ الأنبياء : ٢٣ ]، ويومىء إلى أنّ ذلك جرى على حسب الحكمة لأنّ اسم الجلالة يتضمّن جميع صفات الكمال.


الصفحة التالية
Icon