ولما قرر أن هذا من باب التربية فعاقبته إلى خير، سبب عنه قطعاً قوله :﴿فذرهم﴾ أي اتركهم على أيّ حالة اتفقت ﴿وما يفترون﴾ أي يتعمدون كذبه واختلافه، واذكر ما لربك عليك من العاطفة لتعلم أن الذي سلطهم على هذا في غاية الرأفة بك والرحمة لك وحسن التربية كما لا يخفى عليك، فثق به واعلم أن له في هذا لطيف سريرة تدق عن الأفكار، بخلاف الآيات الآتية التي عبر فيها باسم الجلالة، فإنها في عظيم تجرئهم على مقام الإلهية. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٩٦ ـ ٦٩٧﴾

فصل


قال الفخر :
قوله :﴿وكذلك﴾ منسوق على شيء وفي تعيين ذلك الشيء قولان : الأول : أنه منسوق على قوله :﴿كذلك زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ [ الأنعام : ١٠٨ ] أي كما فعلنا ذلك ﴿كذلك جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوّاً﴾ الثاني : معناه : جعلنا لك عدواً كما جعلنا لمن قبلك من الأنبياء فيكون قوله :﴿كذلك﴾ عطفاً على معنى ما تقدم من الكلام، لأن ما تقدم يدل على أنه تعالى جعل له أعداء. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٢٥﴾

فصل


قال الفخر :
ظاهر قوله تعالى :﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوّاً﴾ أنه تعالى هو الذي جعل أولئك الأعداء أعداء للنبي ﷺ، ولا شك أن تلك العداوة معصية وكفر فهذا يقتضي أن خالق الخير والشر والطاعة والمعصية والإيمان والكفر هو الله تعالى، أجاب الجبائي عنه : بأن المراد بهذا الجعل الحكم والبيان، فإن الرجل إذا حكم بكفر إنسان قيل : إنه كفره، وإذا أخبر عن عدالته قيل : إنه عدله، فكذا ههنا أنه تعالى لما بين للرسول عليه الصلاة والسلام كونهم أعداء له لا جرم قال إنه جعلهم أعداء له، وأجاب أبو بكر الأصم عنه : بأنه تعالى لما أرسل محمداً ﷺ إلى العالمين وخصه بتلك المعجزة حسدوه، وصار ذلك الحسد سبباً للعداوة القوية، فلهذا التأويل قال إنه تعالى جعلهم أعداء له ونظيره قول المتنبي :


الصفحة التالية
Icon