وقال ابن عاشور :
والشّيطان أصله نوع من الموجودات المجرّدة الخفية، وهو نوع من جنس الجنّ، وقد تقدّم عند قوله تعالى :﴿ واتبعوا ما تتلوا الشّياطين على ملك سليمان ﴾ [ البقرة : ١٠٢ ].
ويطلق الشّيطان على المضلّل الّذي يفعل الخبائث من النّاس على وجه المجاز.
ومنه "شياطين العرب" لجماعة من خباثهم، منهم : ناشب الأعور، وابنُه سعد بن ناشب الشّاعر، وهذا على معنى التّشبيه، وشاع ذلك في كلامهم.
والإنس : الإنسان وهو مشتقّ من التأنّس والإلْف، لأنّ البشر يألف بالبشر ويأنس به، فسمّاه إنساً وإنساناً.
و"شياطين الإنس" استعارة للنّاس الّذين يفعلون فعل الشّياطين : من مكر وخديعة.
وإضافة شياطين إلى الإنس إضافة مجازية على تقدير ( مِن ) التبعيضية مجازا، بناء على الاستعارة التي تقتضي كون هؤلاء الإنس شياطين، فهم شياطين، وهم بعض الإنس، أي أنّ الإنس : لهم أفراد متعارفة، وأفراد غير متعارفة يطلق عليهم اسم الشّياطين، فهي بهذا الاعتبار من إضافة الأخصّ من وجهٍ إلى الأعمّ من وجهٍ، وشياطين الجنّ حقيقة، والإضافة حقيقة، لأنّ الجنّ منهم شياطين، ومنهم غير شياطين، ومنهم صالحون، وعداوة شياطين الجنّ للأنبياء ظاهرة، وما جاءت الأنبياء إلاّ للتحذير من فعل الشّياطين، وقد قال الله تعالى لآدم :﴿ إنّ هذا عدوّ لك ولزوجك ﴾ [ طه : ١١٧ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿يُوحِى بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً﴾

فصل


قال الفخر :
المراد أن أولئك الشياطين يوسوس بعضهم بعضاً.
واعلم أنه لا يجب أن تكون كل معصية تصدر عن إنسان فإنها تكون بسبب وسوسة شيطان، وإلا لزم دخول التسلسل أو الدور في هؤلاء الشياطين، فوجب الاعتراف بانتهاء هذه القبائح والمعاصي إلى قبيح أول، ومعصية سابقة حصلت لا بوسوسة شيطان آخر.
إذا ثبت هذا الأصل فنقول : إن أولئك الشياطين كما أنهم يلقون الوساوس إلى الإنس والجن فقد يوسوس بعضهم بعضاً.


الصفحة التالية
Icon