وللناس فيه مذاهب.
منهم من قال الأرواح إما فلكية وإما أرضية، والأرواح الأرضية منها طيبة طاهرة خيرة آمرة بالطاعة والأفعال الحسنة، وهم الملائكة الأرضية.
ومنها خبيثة قذرة شريرة، آمرة بالقبائح والمعاصي، وهم الشياطين.
ثم إن تلك الأرواح الطيبة كما أنها تأمر الناس بالطاعات والخيرات، فكذلك قد يأمر بعضهم بعضاً بالطاعات.
والأرواح الخبيثة كما أنها تأمر الناس بالقبائح والمنكرات، فكذلك قد يأمر بعضهم بعضاً بتلك القبائح والزيادة فيها.
وما لم يحصل نوع من أنواع المناسبة بين النفوس البشرية، وبين تلك الأرواح لم يحصل ذلك الانضمام، فالنفوس البشرية، إذا كانت طاهرة نقية عن الصفات الذميمة كانت من جنس الأرواح الطاهرة فتنضم إليها، وإذا كانت خبيثة موصوفة بالصفات الذميمة كانت من جنس الأرواح الخبيثة فتنضم إليها.
ثم إن صفات الطهارة كثيرة.
وصفات الخبث والنقصان كثيرة، وبحسب كل نوع منها طوائف من البشر وطوائف من الأرواح الأرضية بحسب تلك المجانسة والمشابهة والمشاكلة ينضم الجنس إلى جنسه، فإن كان ذلك في أفعال الخير كان الحامل عليها ملكاً وكان تقوية ذلك الخاطر إلهاماً، وإن كان في باب الشر كان الحامل عليها شيطاناً، وكان تقوية ذلك الخاطر وسوسة.
إذا عرفت هذا الأصل فنقول : إنه تعالى عبر عن هذه الحالة المذكورة بقوله :﴿يُوحِى بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً﴾ فيجب علينا تفسير ألفاظ ثلاثة : الأول : الوحي وهو عبارة عن الإيماء والقول السريع.
والثاني : الزخرف وهو الذي يكون باطنه باطلاً، وظاهره مزيناً ظاهراً، يقال : فلان يزخرف كلامه إذا زينه بالباطل والكذب، وكل شيء حسن مموه فهو مزخرف.