واعلم أن تحقيق الكلام فيه أن الإنسان ما لم يعتقد في أمر من الأمور كونه مشتملاً على خير راجح ونفع زائد، فإنه لا يرغب فيه، ولذلك سمي الفاعل المختار مختاراً لكونه طالباً للخير والنفع، ثم إن كان هذا الاعتقاد مطابقاً للمعتقد، فهو الحق والصدق والإلهام وإن كان صادراً من الملك، وإن لم يكن معتقداً مطابقاً للمعتقد، فحينئذ يكون ظاهره مزيناً، لأنه في اعتقاده سبب للنفع الزائد والصلاح الراجح، ويكون باطنه فاسداً باطلاً.
لأن هذا الاعتقاد غير مطابق للمعتقد فكان مزخرفاً.
فهذا تحقيق هذا الكلام.
والثالث : قوله ﴿غُرُوراً﴾ قال الواحدي :﴿غُرُوراً﴾ منصوب على المصدر، وهذا المصدر محمول على المعنى.
لأن معنى إيحاء الزخرف من القول معنى الغرور، فكأنه قال يغرون غروراً، وتحقيق القول فيه أن المغرور هو الذي يعتقد في الشيء كونه مطابقاً للمنفعة والمصلحة مع أنه في نفسه ليس كذلك، فالغرور إما أن يكون عبارة عن عين هذا الجهل أو عن حالة متولدة عن هذا الجهل.
فظهر بما ذكرنا أن تأثير هذه الأرواح الخبيثة بعضها في بعض لا يمكن أن يعبر عنه بعبارة أكمل ولا أقوى دلالة على تمام المقصود من قوله :﴿يُوحِى بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٢٧ ـ ١٢٨﴾