الثّاني : قال الشّافعي، وجماعة، ومالك، في رواية عنه : تؤكل، وعندي أنّ دليل هذا القول أنّ التّسمية تكملة للقربة، والذكاة بعضها قربة وبعضها ليست بقربة، ولا يبلغ حكم التّسمية أن يكون مفسداً للإباحة.
وفي "الكشاف" أنَّهم تأوّلوا ما لم يذكر اسم الله عليه بأنَّه الميتة خاصّة، وبما ذُكر غيرُ اسم الله عليه.
وفي "أحكام القرآن" لابن العربي، عن إمام الحرمين : ذِكر الله إنَّما شرع في القُرَب، والذبحُ ليس بقربة.
وظاهر أنّ العامد آثم وأنّ المستخفّ أشدّ إثماً.
وأمّا تعمّد ترك التّسمية لأجل إرضاءِ غير الله فحكمه حكم من سمَّى لِغير الله تعالى.
وقيل : إنْ ترَك التّسميةَ عمداً يُكره أكلها، قاله أبو الحسن بن القصّار، وأبو بكر الأبهري من المالكيّة.
ولا يعدّ هذا خلافاً، ولكنّه بيان لقول مالك في إحدى الرّوايتين.
وقال أشهب، والطبرِي : تؤكل ذبيحة تارك التّسمية عمداً، إذا لم يتركها مستخِفاً.
وقال عبد الله بن عمر، وابن سيرين، ونافِع، وأحمد بن حنبل، وداودُ : لا تؤكل إذا لم يسمّ عليها عَمْداً أو نسياناً، أخذاً بظاهر الآية، دون تأمّل في المقصد والسّياق.
وأرجح الأقوال : هو قول الشّافعي.
والرّوايةُ الأخرى عن مالك، إنْ تعمّد ترك التّسميه تؤكل، وأنّ الآية لم يُقْصد منها إلاّ تحريم ما أهل به لغير الله بالقرائن الكثيرة التي ذكرناها آنفاً، وقد يكون تارك التّسمية عمداً آثماً، إلاّ أنّ إثمه لا يُبطل ذكاته، كالصّلاة في الأرض المغصوبة عند غير أحمد.
وجملة :﴿ وإنه لفسق ﴾ معطوفة على جملة ﴿ ولا تأكلوا ﴾ عطف الخبر على الإنشاء، على رأي المحقّقين في جوازه، وهو الحقّ، لا سيما إذا كان العطف بالواو، وقد أجاز عطف الخبر على الإنشاء بالواو بعض من منعه بغير الواو، وهو قول أبي عليّ الفارسي، واحتجّ بهذه الآية كما في "مغنى اللّبيب".