قال ابن العربيّ : وأعجب لرأس المحققين أمامِ الحرمين حيث قال : ذِكر الله تعالى إنما شُرع في القُرَب، والذّبح ليس بقُرْبة.
وهذا يعارض القرآن والسنة ؛ قال ﷺ في الصحيح :" ما أنهر الدّمَ وذُكر اسم الله عليه فَكُلْ " فإن قيل : المراد بذكر اسم الله بالقلب ؛ لأن الذكر يضادّ النسيان ومحل النسيان القلب فمحل الذكر القلب، وقد روى البَرَاء بن عازب : اسم الله على قلب كل مؤمن سَمَّى أو لم يسمّ.
قلنا : الذكر باللسان وبالقلب، والذي كانت العرب تفعله تسمية الأصنام والنُّصُب باللسان، فنسخ الله ذلك بذكره في الألسنة، واشتهر ذلك في الشريعة حتى قيل لمالك : هل يُسَمِّي الله تعالى إذا توضأ فقال : أيريد أن يذبح.
وأما الحديث الذي تعلّقوا به من قوله :" اسم الله على قلب كل مؤمن " فحديث ضعيف.
وقد استدلّ جماعة من أهل العلم على أن التسمية على الذبيحة ليست بواجبة ؛ ل " قوله عليه السلام لأناس سألوه، قالوا : يا رسول الله، إنّ قوماً يأتوننا باللّحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال رسول الله ﷺ :"سَمّوا الله عليه وكلوا" " أخرجه الدّارقطنيّ عن عائشة ومالك مرسلاً عن هشام بن عروة عن أبيه، لم يُختلف عليه في إرساله، وتأوّله بأن قال في آخره : وذلك في أوّل الإسلام.
يريد قبل أن ينزل عليه "وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم اللَّهِ عَلَيْهِ".
قال أبو عمر : وهذا ضعيف، وفي الحديث نفسِه ما يردّه، وذلك أنه أمرهم فيه بتسمية الله على الأكل ؛ فدلّ على أن الآية قد كانت نزلت عليه.
ومما يدلّ على صحة ما قلناه أن هذا الحديث كان بالمدينة، ولا يختلف العلماء أن قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ ﴾.
نزل في سورة "الأنعام" بمكة.
ومعنى ﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ أي لمعصية ؛ عن ابن عباس.
والفِسْق : الخروج ؛ وقد تقدّم.