ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى شَرَّ ضُرُوبِ عَدَاءِ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مُقَاوَمَةُ هِدَايَتِهِمْ بِقَوْلِهِ :(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) أَيْ يُلْقِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ الْمُزَيَّنَ الْمُمَوَّهَ بِمَا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يَسْتُرُ قُبْحَهُ وَيُخْفِي بَاطِلَهُ بِطُرُقٍ خَفِيَّةٍ دَقِيقَةٍ لَا يَفْطِنُ لِبَاطِلِهَا كُلُّ أَحَدٍ لِيُغْرُوهُمْ بِهِ. فَالْإِيحَاءُ : الْإِعْلَامُ بِالْأَشْيَاءِ مِنْ طَرِيقٍ خَفِيٍّ دَقِيقٍ سَرِيعٍ كَالْإِيمَاءِ وَتَقَدَّمَ. وَالزُّخْرُفُ الزِّينَةُ كَالْأَزْهَارِ لِلْأَرْضِ وَالذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ وَالتَّخْيِيلِ الشِّعْرِيِّ فِي الْكَلَامِ، وَمَا يَصْرِفُ السَّامِعَ عَنِ الْحَقَائِقِ إِلَى الْأَوْهَامِ. وَالْغُرُورُ ضَرْبٌ مِنَ الْخِدَاعِ بِالْبَاطِلِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغِرَّةِ (بِالْكَسْرِ) وَالْغَرَارَةِ (بِالْفَتْحِ) وَهُمَا بِمَعْنَى الْغَفْلَةِ وَالْبَلَاهَةِ وَعَدَمِ التَّجَارِبِ وَمِنْهُ : شَابٌّ غِرٌّ وَفَتَاةٌ غِرٌّ (بِالْكَسْرِ) أَيْ غَافِلَانِ عَنْ شُئُونِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَا تَجْرِبَةَ لَهُمَا. وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ غَرِّ الثَّوْبِ (بِالْفَتْحِ) وَهُوَ الْكَسْرُ وَالثَّنْيُ الَّذِي يَحْدُثُ مِنْ طَيِّهِ. يَقُولُونَ طَوَيْتُ الثَّوْبَ عَلَى غَرِّهِ، أَيْ عَلَى ثَنْيِ طَيَّتِهِ الْأُولَى لَمْ أُحْدِثْ فِيهِ تَغْيِيرًا، ثُمَّ صَارَ مَثَلًا يُضْرَبُ لِكُلِّ مَا يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ، يُقَالُ : طَوَيْتُهُ عَلَى غَرِّهِ. وَالْبَصِيرُ الَّذِي عَلَّمَتْهُ التَّجَارِبُ حِيَلَ النَّاسِ وَأَبَاطِيلَهُمْ لَا يُغَرُّ كَمَا يُغَرُّ مَنْ بَقِيَ عَلَى سَجِيَّتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا كَالثَّوْبِ الْبَاقِي عَلَى طَيَّتِهِ الْأُولَى. يُقَالُ غَرَّهُ يَغُرُّهُ


الصفحة التالية
Icon