غَرًّا وَغُرُورًا وَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْغُرُورِ هُوَ مَا أَوْحَاهُ الشَّيْطَانُ الْأَوَّلُ لِلْإِنْسَانِ الْأَوَّلِ أَبِينَا (آدَمَ) وَلِزَوْجِهِ، وَهُوَ تَزْيِينُهُ لَهُمَا الْأَكْلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي اخْتَبَرَهُمَا اللهُ تَعَالَى بِالنَّهْيِ عَنْ قُرْبِهَا إِذْ قَالَ لَهُمَا إِنَّهَا (شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) (٢٠ : ١٢٠). (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) (٧ : ٢١، ٢٢) وَمِنْهُ مَا يُوَسْوِسُ بِهِ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لِمَنْ يُزَيِّنُونَ لَهُمُ الْمَعَاصِيَ بِمَا فِيهَا مِنَ اللَّذَّةِ وَالِانْطِلَاقِ مِنَ الْقُيُودِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِطْمَاعِ الْمُؤْمِنِ مِنْهُمْ بِأَمَانِي الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَالْكَفَّارَاتِ وَالشَّفَاعَةِ، كَقَوْلِ أَحَدِ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ :

تَكَثَّرْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا فَإِنَّكَ وَاجِدٌ رَبًّا غَفُورَا
تَعُضُّ نَدَامَةً كَفَّيْكَ مِمَّا تَرَكْتَ مَخَافَةَ النَّارِ السُّرُورَا
وَالتَّغْرِيرُ بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ قَدِ ارْتَقَى عِنْدَ شَيَاطِينِ هَذَا الزَّمَانِ وَلَا سِيَّمَا شَيَاطِينُ السِّيَاسَةِ ارْتِقَاءً عَجِيبًا، فَإِنَّهُمْ يَخْدَعُونَ الْأَحْزَابَ مِنْهُمْ وَالْأُمَمَ وَالشُّعُوبَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيُصَوِّرُونَ لَهَا الِاسْتِعْبَادَ حُرِّيَّةً، وَالشَّقَاوَةَ سَعَادَةً، بِتَغْيِيرِ الْأَسْمَاءِ وَتَزْيِينِ أَقْبَحِ الْمُنْكَرَاتِ، وَإِنَّ مِنَ الشُّعُوبِ
غِرَارًا كَالْأَفْرَادِ، تُلْدَغُ مِنَ الْجُحْرِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ بَلْ عِدَّةَ مِرَارٍ، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ.


الصفحة التالية
Icon