وما تُشعر به الفاء من التفريع يقضي باتّصال هذه الجملة بالَّتي قبلها، ووجه ذلك : أنّ قوله تعالى :﴿ وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل الله ﴾ [ الأنعام : ١١٦ ] تضمّن إبطال ما ألقاه المشركون من الشّبهة على المسلمين : في تحريم الميتة، إذ قالوا للنّبيء ﷺ " تزعم أن ما قتلتَ أنت وأصحابك وما قتل الكلب والصّقر حلال أكلُه، وأنّ ما قتل اللَّهُ حرام " وأنّ ذلك ممّا شمله قوله تعالى :﴿ وإن هم إلاّ يَخْرصون ﴾ [ الأنعام : ١١٦ ]، فلمّا نهى الله عن اتِّباعهم، وسمّى شرائعهم خرصاً، فرّع عليه هنا الأمر بأكل ما ذكر اسم الله عليه، أي عند قتله، أي ما نُحر أو ذُبح وذُكر اسم الله عليه، والنّهيَ عن أكل ما لم يُذكر اسم الله عليه، ومنه الميتة، فإنّ الميتة لا يذكر اسم الله عليها، ولذلك عقبت هذه الآية بآية :﴿ وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائِهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنَّكم لمشركون ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ].
فتبيّن أنّ الفاء للتّفريع على معلوم من المراد من الآية السّابقة.
والأمر في قوله :﴿ فكلوا ﴾ للإباحة.
ولمّا لم يكن يخطر ببال أحد أنّ ما ذُكر اسم الله عليه يحرم أكلُه، لأنّ هذا لم يكن معروفاً عند المسلمين، ولا عند المشركين، علم أنّ المقصود من الإباحة ليس رفع الحرج، ولكن بيان ما هو المباح، وتمييزه عن ضدّه من الميتة وما ذبح على النُّصُّب.
والخطاب للمسلمين.
وقوله :﴿ مما ذكر اسم الله عليه ﴾ دلّ على أنّ الموصول صادق على الذّبيحة، لأنّ العرب كانوا يذكرون عند الذّبح أو النّحر اسم المقصود بتلك الذكاة، يجهرون بذكر اسمه، ولذلك قيل فيه : أُهِلّ به لغير الله، أي أُعلن.
والمعنى كلوا المذكّى ولا تأكلوا الميتة.
فما ذُكر اسم الله عليه كناية عن المذبوح لأنّ التّسمية إنَّما تكون عند الذّبح.