تقدم في هذه الآية السالفة ذكر قوم مؤمنين أمروا بترك الإثم وباطنه وغير ذلك، وذكر قوم كافرين يضلون بأهوائهم وغير ذلك، فمثل الله عز وجل في الطائفتين بأن شبه الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا، هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وشبه الكافرين وحيرة جهلهم بقوم في ظلمات يترددون فيها ولا يمكنهم الخروج منها ليبين عز وجل الفرق بين الطائفتين والبون بين المنزلتين.
وقرأ جمهور الناس " أوَ من " بفتح الواو فهي ألف استفهام دخلت على واو عطف جملة على جملة، و﴿ من ﴾ بمعنى الذي، وقرأ طلحة بن مصرف :" أفمن " بالفاء، والمعنى قريب من معنى الواو، والفاء في قوله ﴿ فأحييناه ﴾ عاطفة، و﴿ نوراً ﴾ أمكن ما يعنى به الإيمان و﴿ يمشي به ﴾ يراد به جميع التصرف في الأفعال والأقوال، قال أبو علي : ويحتمل أن يراد النور الذي يؤتاه المؤمنون يوم القيامة، و﴿ في الناس ﴾ متعلق ب ﴿ يمشي ﴾، ويصح أن يتعلق ب ﴿ كان ميتاً ﴾ وقوله تعالى :﴿ كمن مثله ﴾ بمنزلة كمن هو، والكاف في قوله ﴿ كذلك زين ﴾ متعلقة بمحذوف يدل ظاهر الكلام عليه، تقديره وكما أحيينا المؤمنين وجعلنا لهم نوراً كذلك زين للكافرين، ويحتمل أن يتعلق بقوله ﴿ كمن مثله ﴾ أي كهذه الحال هو التزيين، وقرأ نافع وحده " ميِّتاً " بكسر الياء وشدها، وقرأ الباقون " ميْتاً " بسكون الياء، قال أبو علي : التخفيف كالتشديد، والياء المحذوفة هي الثانية المنقلبة عن واو أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب، وقالت طائفة إن هذه الألفاظ التي مثل بها وإن كانت تعم كل مؤمن وكل كافر فإنما نزلت في مخصوصين، فقال الضحاك : المؤمن الذي كان ميتاً فأحيي عمر بن الخطاب، وحكى المهدوي عن بعضهم أنه حمزة بن عبد المطلب، وقال عكرمة : عمار بن ياسر، وقال الزجاج : جاء في التفسير أنه يعني به النبي عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon