واعلم أن لفظ الشرح غير مختص بالجانب الحق، لأنه وارد في الإسلام في قوله :﴿أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام﴾ [ الزمر : ٢٢ ] وفي الكفر في قوله :﴿ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ [ النحل : ١٠٦ ] قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية سئل رسول الله ﷺ وقيل له : كيف يشرح الله صدره ؟ فقال عليه السلام :" يقذف فيه نوراً حتى ينفسح وينشرح " فقيل له وهل لذلك من أمارة يعرف بها ؟ فقال عليه السلام :" الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت " وأقول هذا الحديث من أدل الدلائل على صحة ما ذكرناه في تفسير شرح الله الصدر، وتقريره أن الإنسان إذا تصور أن الاشتغال بعمل الآخرة زائد النفع والخير، وأن الاشتغال بعمل الدنيا زائد الضرر والشر، فإذا حصل الجزم بذلك إما بالبرهان أو بالتجربة أو التقليد لا بد وأن يترتب على حصول هذا الاعتقاد حصول الرغبة في الآخرة، وهو المراد من الإنابة إلى دار الخلود والنفرة عن دار الدنيا، وهو المراد من التجافي عن دار الغرور، وأما الاستعداد للموت قبل نزول الموت فهو مشتمل على الأمرين، أعني النفرة عن الدنيا والرغبة في الآخرة.
إذا عرفت هذا فنقول : الداعي إلى الفعل لا بد وأن يحصل قبل حصول الفعل، وشرح الصدر للإيمان عبارة عن حصول الداعي إلى الإيمان، فلهذا المعنى أشعر ظاهر هذه الآية بأن شرح الصدر متقدم على حصول الإسلام، وكذا القول في جانب الكفر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٤٨ ـ ١٤٩﴾