وقال القرطبى :
﴿ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ ﴾ يُغوِيه ﴿ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ﴾ وهذا ردّ على القدرية.
ونظير هذه الآية من السُّنَّة قوله عليه السلام :" مَنْ يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدِّين " أخرجه الصحيحان.
ولا يكون ذلك إلا بشرح الصدر وتنويره.
والدين العبادات ؛ كما قال :﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام ﴾ [ آل عمران : ١٩ ].
ودليل خطابه أن مَن لم يُرد الله به خيراً ضيّق صدره، وأبعد فهمه فلم يفقهه.
والله أعلم.
وروي " أن عبد الله بن مسعود قال : يا رسول الله، وهل ينشرح الصدر؟ فقال :"نعم يدخل القلبَ نورٌ" فقال : وهل لذلك من علامة؟ فقال ﷺ :"التَّجَافِي عن دار الغُرورِ والإنابةُ إلى دار الخلود والاستعدادُ للموت قبل نزول الموت" " وقرأ ابن كثير "ضَيْقاً" بالتخفيف ؛ مثل هَيْن ولَيْن لغتان.
ونافع وأبو بكر "حَرِجاً" بالكسر، ومعناه الضيق.
كرر المعنى، وحسن ذلك لاختلاف اللفظ.
والباقون بالفتح.
جمع حرجة ؛ وهو شدّة الضيق أيضاً، والحَرجَة الغَيْضَة ؛ والجمع حَرَج وحَرَجات.
ومنه فلان يتحرَّج أي يضيِّق على نفسه في تركه هواه للمعاصي ؛ قاله الهَرَوِيّ.
وقال ابن عباس : الحَرَج موضع الشجر الملتف ؛ فكأنّ قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التف شجره.
ورُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المعنى ؛ ذكره مكيّ والثعلبِي وغيرهما.
وكل ضيّق حَرِجٌ وحَرَج.
قال الجوهَرِي : مكان حرِج وحَرَج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية.
وقرىء "يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً" و"حَرِجاً".
وهو بمنزلة الوَحَد والوَحِد والفَرَد والفَرِد والدنَف والدّنِف ؛ في معنًى واحد، وحكاه غيره عن الفراء.
وقد حَرِج صدره يَحْرَج حرجاً.
والحَرَج الإثم.
والحرج أيضاً : الناقة الضامرة.
ويقال : الطويلة على وجه الأرض ؛ عن أبي زيد، فهو لفظ مشترك.


الصفحة التالية
Icon