والثاني : أن من واظب على الكفر سبعين سنة، ثم إنه في آخر زمن حياته قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله عن القلب، ثم مات، ثم إن رب العالمين أعطاه النعم الفائقة والدرجات الزائدة ألف ألف سنة، ثم أراد أن يقطع تلك النعم عنه لحظة واحدة، فذلك العبد يقول : أيها الإله إياك، ثم إياك أن تترك ذلك لحظة واحدة، فإنك إن تركته لحظة واحدة صرت معزولاً عن الإلهية والحاصل : أن إقدام ذلك العبد على ذلك الإيمان لحظة واحدة أوجب على الإله إيصال تلك النعم مدة لا آخر لها، ولا طريق له ألبتة إلى الخلاص عن هذه العهدة، فهذا هو الخصومة.
أما من يقول إنه لا حق لأحد من الملائكة والأنبياء على الله تعالى وكل ما يوصل إليهم من الثواب فهو تفضل وإحسان من الله تعالى، فهذا لا يكون خصماً.
والوجه الثالث : في تقرير هذه الخصومة ما حكى أن الشيخ أبا الحسن الأشعري لما فارق مجلس أستاذه أبي علي الجبائي وترك مذهبه وكثر اعتراضه على أقاويله عظمت الوحشة بينهما فاتفق أن يوماً من الأيام عقد الجبائي مجلس التذكير وحضر عنده عالم من الناس، وذهب الشيخ أبو الحسن إلى ذلك المجلس، وجلس في بعض الجوانب مختفياً عن الجبائي، وقال لبعض من حضر هناك من العجائز إني أعلمك مسألة فاذكريها لهذا الشيخ قولي له كان لي ثلاثة من البنين واحد كان في غاية الدين والزهد، والثاني كان في غاية الكفر والفسق، والثالث كان صبياً لم يبلغ، فماتوا على هذه الصفات فأخبرني أيها الشيخ عن أحوالهم.
فقال الجبائي : أما الزاهد، ففي درجات الجنة، وأما الكافر، ففي دركات النار، وأما الصبي، فمن أهل السلامة.
قال قولي له : لو أن الصبي أراد أن يذهب إلى تلك الدرجات العالية التي حصل فيها أخوه الزاهد هل يمكن منه.


الصفحة التالية
Icon