ومن فوائد ابن عطية فى الآية
قال رحمه الله :
قوله تعالى :﴿ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ﴾، الآية، " من " أداة شرط، و﴿ يشرح ﴾ جواب الشرط، والآية نص في أن الله عز وجل يريد هدى المؤمن وضلال الكافر، وهذا عند جميع أهل السنة بالإرادة القديمة التي هي صفة ذاته تبارك وتعالى، و" الهدى " في هذه الآية هو خلق الإيمان في القلب واختراعه، و" شرح الصدر " هو تسهيل الإيمان وتحبيبه وإعداد القلب لقبوله وتحصيله، والهدى لفظة مشتركة تأتي بمعنى الدعاء كقوله عز وجل :﴿ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] وتأتي بمعنى إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق والأعمال المقصية إليها، كقوله تعالى :﴿ فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ﴾ [ محمد : ٥ ] وغير ذلك، إلا أنها في هذه الآية وفي قوله ﴿ من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ﴾ [ الأعراف : ١٧٨ ]، وفي قوله ﴿ إنك لا تهدي من أحببت ﴾ [ القصص : ٥٦ ] ونحوها لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان واختراعه، إذ الوجوه من الهدى تدفعها قرائن الكلام مما قبل وبعد، وقوله ﴿ يشرح صدره ﴾ ألفاظ مستعارة ها هنا إذ الشرح التوسعة والبسط في الأجسام وإذا كان الجرم مشروحاً موسعاً كان معداً ليحل فيه، فشبه توطئة القلب وتنويره وإعداده للقبول بالشرح والتوسيع، وشبه قبوله وتحصيله لللإيمان بالحلول في الجرم المشروح، و" الصدر " عبارة عن القلب وهو المقصود هنا الإيمان فقط بدليل قرينة الشرح والهدى، ولكنه عبر بالإسلام إذ هو أعم وأدنى الهدى حب الأعمال وامتثال العبادات، وفي ﴿ يشرح ﴾ ضمير عائد على الهدى، قال : وعوده على الله عز وجل أبين.