فصل


قال الفخر :
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾
فيه مسائل :
المسألة الأولى :
"الكاف" في قوله :﴿وكذلك﴾ يوجب التشبيه، وفيه قولان : الأول : وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا فيها، كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها.
الثاني : أنه معطوف على ماقبله، أي كما زينا للكافرين أعمالهم، كذلك جعلنا.
المسألة الثانية :
الأكابر جمع الأكبر الذي هو اسم، والآية على التقديم والتأخير تقديره : جعلنا مجرميها أكابر، ولا يجوز أن يكون الأكابر مضافة، فإنه لا يتم المعنى، ويحتاج إلى إضمار المفعول الثاني للجعل، لأنك إذا قلت : جعلت زيداً، وسكت، لم يفد الكلام حتى تقول رئيساً أو ذليلاً أو ما أشبه ذلك، لاقتضاء الجعل مفعولين، ولأنك إذا أضفت الأكابر، فقد أضفت الصفة إلى الموصوف، وذلك لا يجوز عند البصريين.
المسألة الثالثة :
صار تقدير الآية : جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر ليمكروا فيها، وذلك يقتضي أنه تعالى إنما جعلهم بهذه الصفة، لأنه أراد منهم أن يمكروا بالناس، فهذا أيضاً يدل على أن الخير والشر بإرادة الله تعالى.
أجاب الجبائي عنه : بأن حمل هذه اللام على لام العاقبة.
وذكر غيره أنه تعالى لما لم يمنعهم عن المكر صار شبيهاً بما إذا أراد ذلك، فجاء الكلام على سبيل التشبيه، وهذا السؤال مع جوابه قد تكرر مراراً خارجة عن الحد والحصر.
المسألة الرابعة :
قال الزجاج : إنما جعل المجرمين أكابر، لأنهم لأجل رياستهم أقدر على الغدر والمكر وترويج الأباطيل على الناس من غيرهم، ولأن كثرة المال وقوة الجاه تحمل الإنسان على المبالغة في حفظهما، وذلك الحفظ لا يتم إلا بجميع الأخلاق الذميمة من الغدر والمكر، والكذب، والغيبة، والنميمة، والأيمان الكاذبة، ولو لم يكن للمال والجاه عيب سوى أن الله تعالى حكم بأنه إنما وصف بهذه الصفات الذميمة من كان له مال وجاه، لكفى ذلك دليلاً على خساسة المال والجاه.


الصفحة التالية
Icon