قال القاضي أبو محمد : يعني أن التمثيل لهم، و﴿ جعلنا ﴾ في هذه الآية بمعنى صيرنا، فهي تتعدى إلى مفعولين الأول ﴿ مجرميها ﴾ والثاني ﴿ أكابر ﴾ وفي الكلام على هذا تقديم وتأخير تقديره وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر، وقدم الأهم إذ لعلة كبرهم أجرموا، ويصح أن يكون المفعول الأول ﴿ أكابر ﴾ و﴿ مجرميها ﴾ مضاف والمفعول الثاني في قوله ﴿ في كل قرية ﴾ و﴿ ليمكروا ﴾ نصب بلام الصيرورة، والأكابر جمع أكبر كما الأفاضل جمع أفضل، ويقال أكابرة كما يقال أحمر وأحامرة، ومنهم قول الشاعر [ الأعشى ] :[ الكامل ]
إنَّ الأَحَامِرَة الثّلاثة أتْلَفَتْ... مالي وكنتُ بهنَّ قَِدْماً مُولَعا
يريد الخمر واللحم والزعفران، و" المكر " التخيل بالباطل والخديعة ونحوهما، وقوله ﴿ وما يمكرون إلا بأنفسهم ﴾ يريد لرجوع وبال ذلك عليهم، ﴿ وما يشعرون ﴾ أي ما يعلمون، وهي لفظة مأخوذة من الشعار وهو الشيء الذي يلي البدن، فكأن الذي لا يشعر نفي عنه أن يعلم علم حس، وفي ذلك مبالغة في صفة جهله، إذ البهائم تعلم علوم الحس وأما هذه الآية فإنما نفي فيها الشعور في نازلة مخصوصة. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ وكذلك جعلنا في كل قرية ﴾
أي : وكما زينا للكافرين عملهم، فكذلك جعلنا في كل قرية أكابرَ مجرميها.
وقيل معناه : وكما جعلنا فُسَّاق مكة أكابرها، فكذلك جعلنا فُسَّاق كل قرية أكابرها.
وإنما جعل الأكابر فُسَّاقَ كلِّ قرية، لأنهم أقرب إلى الكفر بما أعطوا من الرياسة والسعة.
وقال ابن قتيبة : تقدير الآية : وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر ؛ و"أكابر" لا ينصرف، وهم العظماء.
قوله تعالى :﴿ ليمكروا فيها ﴾ قال أبو عبيدة المكر والخديعة، والحيلة، والفجور، والغدر، والخلاف.
قال ابن عباس : ليقولوا فيها الكذب.