ولما كشف هذا النظم عن أنهم اجترؤوا عليه، وأنهم أصروا على أقبح المعاصي الكفر، لا لطلب الدليل بل لداء الحسد ؛ تاقت النفس إلى معرفة ما يحل بهم فقال جواباً :﴿سيصيب﴾ أي بوعد لا خلف فيه، وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال :﴿الذين أجرموا﴾ أي قطعوا ما ينبغي أن يوصل ﴿صغار﴾ أي رضى بالذل لعدم الناصر ؛ ولما كان الشيء تعظم بعظمة محله ومن كان منه ذلك الشيء قال :﴿عند الله﴾ أي الجامع لصفات العظمة ﴿وعذاب﴾ أي مع الصغار ﴿شديد﴾ أي في الدنيا بالقتل والخزي وفي الآخرة بالنار ﴿بما﴾ أي بسبب ما ﴿كانوا يمكرون ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧٠٩ ـ ٧١٠﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى حكى عن مكر هؤلاء الكفار وحسدهم أنهم متى ظهرت لهم معجزة قاهرة تدل على نبوة محمد ﷺ قالوا : لن نؤمن حتى يحصل لنا مثل هذا المنصب من عند الله، وهذا يدل على نهاية حسدهم، وأنهم إنما بقوا مصرين على الكفر لا لطلب الحجة والدلائل، بل لنهاية الحسد.
قال المفسرون : قال الوليد بن المغيرة : والله لو كانت النبوة حقاً لكنت أنا أحق بها من محمد، فإني أكثر منه مالاً وولداً، فنزلت هذه الآية.
وقال الضحاك : أراد كل واحد منهم أن يخص بالوحي والرسالة، كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله :﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرىء مّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً﴾ [ المدثر : ٥٢ ] فظاهر الآية التي نحن في تفسيرها يدل على ذلك أيضاً لأنه تعالى قال :﴿وَإِذَا جَاءتْهُمْ ءايَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حتى نؤتى مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ الله﴾ وهذا يدل على أن جماعة منهم كانوا يقولون هذا الكلام.


الصفحة التالية
Icon