أو يكون المراد برسل الله جميع الرّسل، فعدلوا عن أن يقولوا مثل ما أوتي محمّد ﷺ لأنّهم لا يؤمنون بأنّه يأتيه وحي.
ومعنى ﴿ نؤتى ﴾ على هذا الوجه نعطى مثل ما أعطي الرّسل، وهو الوحي.
أو أرادوا برسل الله محمّداً ﷺ فعبّروا عنه بصيغة الجمع تعريضاً، كما يقال : إنّ ناساً يقولون كذا، والمراد شخص معيّن، ومنه قوله تعالى :﴿ كذبت قوم نوح المرسلين ﴾ [ الشعراء : ١٠٥ ] ونحوه، ويكون إطلاقهم عليه :﴿ رسل الله ﴾ تهكّماً به ﷺ كما حكاه الله عنهم في قوله :﴿ وقالوا يأيُّها الذي نُزِّل عليه الذكر إنَّك لمجنون ﴾ [ الحجر : ٦ ] وقوله :﴿ إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ﴾ [ الشعراء : ٢٧ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾

فصل


قال الفخر :
وأما قوله :﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ فالمعنى أن للرسالة موضعاً مخصوصاً لا يصلح وضعها إلا فيه، فمن كان مخصوصاً موصوفاً بتلك الصفات التي لأجلها يصلح وضع الرسالة فيه كان رسولاً وإلا فلا، والعالم بتلك الصفات ليس إلا الله تعالى.
واعلم أن الناس اختلفوا في هذه المسألة، فقال بعضهم : النفوس والأرواح متساوية في تمام الماهية، فحصول النبوة والرسالة لبعضها دون البعض تشريف من الله وإحسان وتفضل.
وقال آخرون : بل النفوس البشرية مختلفة بجواهرها وماهياتها، فبعضها خيرة طاهرة من علائق الجسمانيات مشرقة بالأنوار الإلهية مستعلية منورة.
وبعضها خسيسة كدرة محبة للجسمانيات، فالنفس ما لم تكن من القسم الأول، لم تصلح لقبول الوحي والرسالة.


الصفحة التالية
Icon