الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ - أَنَّ جَانِبَ الرَّحْمَةِ أَغْلَبُ فِي هَذِهِ الدَّارِ الْبَاطِلَةِ الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ عَنْ قُرْبٍ مِنْ جَانِبِ الْعُقُوبَةِ وَالْغَضَبِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عُمِّرَتْ وَلَا قَامَ لَهَا وُجُودٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى :(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ) (١٦ : ٦١) وَقَالَ :(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) (٣٥ : ٤٥) فَلَوْلَا سَعَةُ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَعَفْوِهِ لَمَا قَامَ الْعَالَمُ. وَمَعَ هَذَا فَالَّذِي أَظْهَرُهُ مِنَ الرَّحْمَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَأَنْزَلَهُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنَ الرَّحْمَةِ، فَإِذَا كَانَ جَانِبُ الرَّحْمَةِ قَدْ غَلَبَ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَنَالَتِ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ وَالْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ مَعَ قِيَامِ مُقْتَضَى الْعُقُوبَةِ بِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ لَهُ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ إِغْضَابِ رَبِّهِ وَالسَّعْيِ فِي مُسَاخَطَتِهِ، فَكَيْفَ لَا يَغْلِبُ جَانِبُ الرَّحْمَةِ فِي دَارٍ تَكُونُ الرَّحْمَةُ فِيهَا مُضَاعَفَةً عَلَى مَا فِي هَذِهِ الدَّارِ تِسْعًا وَتِسْعِينَ ضِعْفًا، وَقَدْ أَخَذَ الْعَذَابُ مِنَ الْكُفَّارِ مَأْخَذَهُ وَانْكَسَرَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ وَأَنْهَكَهَا الْعَذَابُ وَأَذَابَ مِنْهَا خُبْثًا وَشَرًّا لَمْ يَكُنْ يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَحْمَتِهِ لَهَا فِي الدُّنْيَا. بَلْ كَانَ يَرْحَمُهَا مَعَ قِيَامِ مُقْتَضَى الْعُقُوبَةِ وَالْغَضَبِ بِهَا، فَكَيْفَ إِذَا زَالَ مُقْتَضَى الْغَضَبِ وَالْعُقُوبَةِ وَقَوِيَ جَانِبُ الرَّحْمَةِ أَضْعَافَ أَضْعَافِ الرَّحْمَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ. وَاضْمَحَلَّ الشَّرُّ وَالْخُبْثُ الَّذِي فِيهَا


الصفحة التالية
Icon