وَقَدْ أَشَارَ إِلَى بَحْثِهِ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَمُؤَلِّفِي الْعَقَائِدِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ بِنَصِّهِ عَلَى طُولِهِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْحَقَائِقِ الَّتِي نَوَّهْنَا بِهَا، وَلِأَمْرٍ آخَرَ أَهَمَّ وَهُوَ أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ أَقْوَى شُبَهَاتِ النَّاسِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ عَلَى الدِّينِ قَوْلُ أَهْلِ كُلِّ دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُمْ هُمُ النَّاجُونَ وَحْدَهُمْ وَأَكْثَرُ الْبَشَرِ يُعَذِّبُونَ عَذَابًا شَدِيدًا دَائِمًا لَا يَنْتَهِي أَبَدًا، بَلْ تَمُرُّ أُلُوفُ الْأُلُوفِ الْمُكَرَّرَةِ مِنَ الْأَحْقَابِ وَالْقُرُونِ وَلَا يَزْدَادُ إِلَّا شِدَّةً وَقُوَّةً وَامْتِدَادًا، مَعَ قَوْلِهِمْ - وَلَا سِيَّمَا الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ - إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَإِنَّ رَحْمَةَ الْأُمِّ الْعَطُوفِ الرَّءُومِ بِوَلَدِهَا الْوَحِيدِ لَيْسَتْ إِلَّا جُزْءًا صَغِيرًا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ. وَهَذَا الْبَحْثُ جَدِيرٌ بِأَنْ يُزِيلَ شُبْهَةَ هَؤُلَاءِ فَيَرْجِعُ الْمُسْتَعِدُّونَ مِنْهُمْ إِلَى دِينِ اللهِ تَعَالَى مُذْعِنِينَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ رَاجِينَ رَحْمَتَهُ خَائِفِينَ عِقَابَهُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قَدْرَهُ - فَمَا أَعْظَمَ ثَوَابَ ابْنِ الْقَيِّمِ عَلَى اجْتِهَادِهِ فِي شَرْحِ هَذَا الْقَوْلِ الْمَأْثُورِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِنْ خَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ الَّذِينَ حَمَلُوا الْخُلُودَ وَالْأَبَدَ اللُّغَوِيِّينَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ الْكَلَامِيِّ، وَهُوَ عَدَمُ النِّهَايَةِ فِي الْوَاقِعِ، وَنَفْسِ الْأَمْرِ، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَعَامُلِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ


الصفحة التالية
Icon