وقال صاحب روح البيان :
﴿وَكَذلِكَ﴾ أي : كما خذلنا عصاة الجن والإنس حتى استمتع بعضهم ببعض ﴿نُوَلِّى بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضَا﴾ أي : نسلط بعضم على البعض فنأخذ من الظالم بالظالم ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصي وجاء "من أعان ظالماً سلطه الله عليه" وعن ابن عباس رضي الله عنهما "إذا أراد الله بقوم خيراً ولى أمرهم خيارهم وإذا أراد بقوم شراً ولى أمرهم شرارهم" وجاء في بعض الكتب الإلهية : إني أنا الله ملك الملوك قلوب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلته عليه نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم، وفي الحديث :"الظالم عدل الله في الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه" وفي المرفوع "يقول الله عز وجل أنتقم ممن أبغض بمن أبغض ثم أصير كلاً إلى النار" وفي الزبور : إني لأنتقم من المنافق بالمنافق ثم أنتقم من المنافقين جميعاً.
وقول القائل : كيف يجوز وصفه بالظلم وينسب إلى أنه عدل من الله تعالى؟
جوابه أن المراد بالعدل هنا ما يقابل بالفضل، فالعدل أن يعامل كل أحد بفعله إن خيراً فخير وإن شراً فشر والفضل أن يعفو مثلاً عن المسىء، وهذا على طريق أهل السنة بخلاف المعتزلة فإنهم يوجبون عقوبة المسيىء ويدعون أن ذلك هو العدل ومن ثمة سموا أنفسهم أهل العدل وإلى ما صار إليه أهل السنة يشير قوله تعالى :﴿قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ﴾ (الأنبياء : ١١٢) أي : لا تمهل الظالم ولا تتجاوز عنه، بل عجل عقوبته لكن الله تعالى يمهل من يشاء ويتجاوز عمن يشاء ويعطي من يشاء لا يسأل عما يفعل كذا في "المقاصد الحسنة" للإمام السخاوي.