وقال ابن عباس : رسل الجن هم الذين بلّغوا قومَهم ما سمعوه من الوحي ؛ كما قال :﴿ وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ [ الأحقاف : ٢٩ ].
وقال مُقاتِل والضحّاك : أرسل الله رسلاً من الجن كما أرسل من الإنس.
وقال مجاهد : الرسل من الإنس، والنُّذُر من الجن ؛ ثم قرأ "إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ".
وهو معنى قولِ ابن عباس، وهو الصحيح على ما يأتي بيانه في "الأحقاف".
وقال الكلبيّ : كانت الرسل قبل أن يبعث محمد ﷺ يُبعثون إلى الإنس والجن جميعاً.
قلت : وهذا لا يصحّ، بل في صحيح مسلم من حديث جابر ابن عبد الله الأنصاريّ قال قال رسول الله ﷺ :" أعطيتُ خمساً لم يُعطهُنّ نبيّ قبلي كان كلّ نبيّ يُبعث إلى قومه خاصّةً وبُعثتُ إلى كل أحمرَ وأسوَد " الحديث.
على ما يأتي بيانه في "الأحقاف".
وقال ابن عباس : كانت الرسل تُبعث إلى الإنس وإن محمداً ﷺ بُعث إلى الجن والإنس ؛ ذكره أبو الليث السَّمَرْقَنْدِيّ.
وقيل : كان قوم من الجن استمعوا إلى الأنبياء ثم عادوا إلى قومهم وأخبروهم ؛ كالحال مع نبينا عليه السلام.
فيقال لهم رسل الله، وإن لم يُنصّ على إرسالهم.
وفي التنزيل :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ] أي من أحدهما، وإنما يخرج من المِلح دون العَذْب، فكذلك الرسل من الإنس دون الجن ؛ فمعنى "منكم" أي من أحدكم.
وكان هذا جائزاً ؛ لأن ذكرهما سبق.
وقيل : إنما صيّر الرسل في مخرج اللفظ من الجميع لأن الثَّقَلين قد ضمتهما عَرْصة القيامة، والحساب عليهم دون الخلق ؛ فلما صاروا في تلك العَرْصة في حساب واحد في شأن الثواب والعقاب خوطبوا يومئذ بمخاطبة واحدة كأنهم جماعة واحدة ؛ لأن بدء خلقهم للعبودية، والثوابُ والعِقاب على العبودية، ولأن الجن أصلهم من مارج من نار، وأصلنا من تراب، وخلقهم غير خلقنا ؛ فمنهم مؤمن وكافر.