وقوله تعالى :﴿ يقصون عليكم آياتي ﴾ يعني يخبرونكم بما أوحي إليهم من آياتي الدالة على توحيدي وتصديق رسلي ﴿ وينذرونكم لقاء يومكم هذا ﴾ يعني ويحذرونكم ويخوفونكم لقاء عذابي في يومكم هذا وهو يوم القيامة وذلك أن الله تعالى يقول يوم القيامة يوم لكفار الجن والإنس على سبيل التقريع والتوبيخ ما أخبر في كتابه، وهو قوله تعالى :﴿ يا معشر الجن والإنس ﴾ الآية فيجيبون بما أخبر عنهم في قوله تعالى :﴿ قالوا ﴾ يعني كفار الجن والإنس ﴿ شهدنا على أنفسنا ﴾ اعترفوا بأن الرسل قد أتتهم وبلغتهم رسالات ربهم وأنذروهم لقاء يومهم هذا وأنهم كذبوا الرسل ولم يؤمنوا بهم وذلك حين شهدت عليهم جوارحهم بالشرك والكفر قال الله تعالى :﴿ وغرتهم الحياة الدنيا ﴾ إنما كان ذلك بسبب أنهم غرتهم الحياة الدنيا ومالوا إليها :﴿ وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾ في الدنيا.
فإن قلت كيف أقروا على أنفسهم بالكفر في هذه الآية وجحدوا الشرك والكفر في قوله :﴿ والله ربنا ما كنا مشركين ﴾ قلت : يوم القيامة يوم طويل والأحوال فيه مختلفة فإذا رأوا ما حصل للمؤمنين من الخير والفضل والكرامة أنكروا الشرك لعل ذلك الإنكار ينفعهم، وقالوا والله ربنا ما كنا مشركين فحينئذٍ يختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم بالشرك والكفر فذلك قوله تعالى :﴿ وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ﴾.
فإن قلت لما كرر شهادتهم على أنفسهم، قلت : شهادتهم الأولى اعتراف منهم بما كانوا عليه في الدنيا من الشرك والكفر وتكذيب الرسل وفي قوله :﴿ وشهدوا على أنفسهم ﴾ ذم لهم وتخطئة لرأيهم ووصف لقلة نظرهم لأنفسهم وأنهم قوم غرتهم الحياة الدنيا ولذاتها فكانت عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والمقصود من شرح حالهم تحذير السامعين وضجر لهم عن الكفر والمعاصي. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾
وقال أبو حيان :


الصفحة التالية
Icon