وقوله تعالى :﴿ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءاياتى ﴾ صفةٌ أخرى لرسلٌ محققةٌ لما هو المرادُ من إرسال الرسل من التبليغ والإنذارِ، وقد حصل ذلك بالنسبة إلى الثقلين ﴿ وَيُنذِرُونَكُمْ ﴾ بما في تضاعيفها من القوارع ﴿ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا ﴾ يومِ الحشرِ الذي قد عاينوا فيه ما أُعدَّ لهم من أفانين العقوباتِ الهائلة ﴿ قَالُواْ ﴾ استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من الكلام السابقِ كأنه قيل : فماذا قالوا عند ذلك التوبيخِ الشديد؟ فقيل : قالوا :﴿ شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا ﴾ أي بإتيان الرسلِ وإنذارِهم وبمقابلتهم إياهم بالكفر والتكذيب وباستحقاقهم بسبب ذلك للعذاب المخلّد حسبما فُصِّل في حكاية جوابِهم عن سؤال خَزَنةِ النار، حيث قالوا :﴿ بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَىْء إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضلال كَبِيرٍ ﴾ وقد أُجمل هاهنا في الحكاية كما أُجمل في حكاية جوابِهم حيث قالوا :﴿ بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين ﴾ وقوله تعالى :﴿ وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا ﴾ مع ما عُطف عليه اعتراضٌ لبيان ما أداهم في الدنيا إلى ارتكابهم للقبائح التي ارتكبوها وإلجائِهم بعد ذلك في الآخرة إلى الاعتراف بالكفر واستيجاب العذابِ، وذمٌّ لهم بذلك، أي واغتروا في الدنيا بالحياة الدنيئةِ واللذات الخسيسةِ الفانية وأعرضوا عن النعيم المقيم الذي بشرت به الرسلُ، واجترأوا على ارتكاب ما يجُرّهم إلى العذاب المؤبَّد الذي أنذروهم إياه ﴿ وَشَهِدُواْ ﴾ في الآخرة ﴿ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ ﴾ في الدنيا ﴿ كافرين ﴾ أي بالآيات والنذر التي أتى بها الرسلُ على التفصيل المذكور آنفاً واضطُرّوا إلى الاستسلام لأشد العذابِ كما ينبىء عنه ما حُكي عنهم بقوله تعالى :﴿ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أصحاب السعير ﴾ وفيه من تحسيرهم وتحذيرِ السامعين عن مثل صنيعِهم ما لا مزيد عليه. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾