وقال الآلوسى :
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾
شروع في حكاية ما سيكون من توبيخ المعشرين وتقريعهم بتفريطهم فيما يتعلق بخاصة أنفسهم ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ ﴾ في الدنيا ﴿ رُسُلُ ﴾ من عند الله عز وجل كائنة ﴿ مّنكُمْ ﴾ أي من جملتكم لكن لا على أن يأتي كل رسول كل واحدة من الأمم ولا على أن أولئك الرسل عليهم السلام من جنس الفريقين معاً بل على أن يأتي كل أمة رسول خاص بها وعلى أن تكون من الإنس خاصة إذ المشهور أنه ليس من الجن رسل وأنبياء، ونظيره في هذا قوله تعالى :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ﴾ ( الرحمن ؛ ٢٢ ) فإنهما إنما يخرجان من الملح فقط كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
والفراء قدر هنا مضافاً لذلك أي من أحدكم، وقال غير واحد : المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل، وقد ثبت أن الجن استمعوا القرآن وأنذروا به قومهم فقد قال سبحانه :﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ الجن يَسْتَمِعُونَ القرءان ﴾ إلى قوله عز وجل :﴿ وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ [ الأحقاف : ٢٩ ].
وعن الضحاك وغيره أن الله تعالى أرسل للجن رسلاً منهم وصرح بعضهم أن رسولاً منهم يسمى يوسف، وظاهر الآية يقتضي إرسال الرسل إلى كل من المعشرين من جنسهم وادعى بعض قيام الإجماع على أنه لم يرسل إلى الجن رسول منهم وإنما أرسل إليهم من الإنس وهل كان ذلك قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام أم لا؟ الذي نص عليه الكلبي الثاني قال : كان الرسل يرسلون إلى الإنس حتى بعد محمد ﷺ إلى الإنس والجن ﴿ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءاياتى ﴾ التي أوحيتها إليهم، والجملة صفة أخرى لرسل محققة لما هو المراد من إرسالهم من التبليغ والإنذار وقد حصل ذلك بالنسبة إلى الثقلين ﴿ وَيُنذِرُونَكُمْ ﴾ أي يخوفونكم بما في تضاعيفها من القوارع ﴿ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا ﴾ أي يوم الحشر الذي قد عاينوا فيه ما عاينوا.